رواية ظنها دمية بين أصابعه (الفصل الأول إلى الخامس والأربعون) بقلم الكاتبة سهام صادق

موقع أيام نيوز


الرأس
اقتربت منه وعلى محياها ارتسم التوتر لتضع القهوة أمامه مسترده.
_ أنت لم تغفو طيلة الليل وعلى ما يبدو أن عقلك مشغول بشيء هام
لم يطيل في أمر ذهوله وصرف عيناه عنها. 
_ شكرا يا كارولين بس أنا مش محتاج أشرب قهوة دلوقتي تقدري تروحي ل سيف 
استاءت ملامحها من رفضه الذي فهمته من لكنته. عاد لغلق عينيه لكنها استمرت في وقفتها تنظر إليه بنظرة تعلم إنها لا تنبغي أن تنظر بها إليه وفي داخلها كانت تردد هذا الرجل فاتن لماذا لم يرث سيف من طباعه 

وسرعان ما كانت تخرج

من أفكارها وتتسأل. 
_ هل ليلى بخير 
باغتته بسؤالها الذي جعله يفتح عينيه ويحدق بها هذه المرة... فما الذي تقصده من سؤالها
_ لقد علمت ما حدث لها وأنت من ذهبت بها للمشفى.. 
لم يتركها عزيز لتكمل كلامها فنهوضه من مقعده جعلها تبتلع بقية كلامها وتتراجع بعدما اتاها شعور بالهلع من نظرته الباردة التي حدجها بها. 
غادر الغرفة تحت انظارها الذاهلة لتزفر أنفاسها بقوة... لا تصدق أن الذعر أصابها من مجرد نظرة منه. 
... 
كانت في أفضل حال بالصباح وقد التف الجميع حولها زوجة عمها جوارها تطعمها و شهد تجلس على الطرف الأخر من الفراش وتخبرها بالأدوية التي عليها أخذها بعد تناول وجبتها أما عمها يجلس على الفراش الأخر وينظر إليها ببعض القلق الذي مازال يسيطر عليه والعم سعيد يقف بكأس العصير الطازج يحمله لها منتظرا أن تنتهي عايدة من إطعامها.
_ والله أنا شبعت خلاص
خرج صوتها بصعوبة بسبب احتقان حلقها.. لتنظر عايدة لها ثم للطبق.
_ أنت مأكلتيش حتى نص الطبق
قالها عمها فنظرت له بعينين انحبس بهم الدمع وهي تتذكر ذعره عليها ليلة أمس.
_ مش قادرة اكل تاني
_ خلاص يا حببتي
تمتمت بها عايدة وناولتها المحرمة الورقية لتمسح شفتيها من بقايا الطعام.
_ طيب يلا اشربي بقى العصير
ابتسمت وهي تتناول كأس العصير من العم سعيد. 
_ هتشربي كله يا لولو
تجرعته بأكمله ونظرت له فابتسم قائلا.
_ شاطرة يا لولو
_ أنا دوري بقى جيه عشان أقولك شاطره يا لولو 
ارتفعت ضحكاتهم على عبارة شهد فتناولت ليلى منها حبتين الدواء التي عليها أخذهم. 
_ كده نقول كلنا شاطرة يا لولو 
قالها عمها بمرح حتى يرى ابتسامتها التي انارت بها عالمهم الصغير. 
ارتفع رنين جرس الباب فاسرع العم سعيد ليفتحه. 
_ عزيز بيه!.
هتف بها العم سعيد في دهشة ممزوجة بالفرح لزيارته لهم.
_ صباح الخير يا عم سعيد
قالها عزيز بعدما تمالك حرجه من قدومه لتهتف نيرة من ورائه. 
_ ليلى صاحية ولا نلف ونرجع تاني 
ضحك العم سعيد على مزحتها وابتعد عن الباب قائلا بسعادة. 
_ يا خبر إزاي اسيبكم واقفين كده على الباب...
خرجت عايدة و عزيز من غرفة ليلى بعدما علموا بهوية ضيوفهم هذا الصباح. 
_ ديه ليلى طلعت غالية عندكم أوي 
خرج الكلام من العم سعيد بتلقائية لكنها كانت حقيقة صادقة بالنسبة ل عزيز الذي كان يجلس وفي داخله لهفة وتوق لرؤيتها. 
_ ممكن ادخل أشوفها 
تمتمت بها نيرة ثم نهضت من جوار عزيز الذي تعلقت عيناه بها بعدما اتجهت نحو الغرفة التي تعرف طريقها. 
_ طبعا يا ست البنات ده البيت بيتكم 
هتف بها العم سعيد وهو يتحرك ورائها وقد غزت البهجة ملامحه الطيبة. 
_ أنا مش عارف اشكرك على اللي عملته مع بنت أخويا إمبارح إزاي يا عزيز بيه جمايلك بقت مغرقاني 
تنحنح عزيز حتى يستطيع إخراج صوته الذي صار متحشرجا. 
_ جمايل إيه يا عزيز إحنا أهل. 
_ والله يا عزيز بيه أنت غالي عندنا اوي 
تمتمت بها عايدة التي لم ترى بحياتها رجلا مثله... لقد خدمت بهذا المنزل لسنوات ولم تشعر يوما بأنها تعمل لدي هذه العائلة.
كان صوته وهو يتحدث مع عمها يصل لها وقد عاد قلبها الخائڼ للعهود يخفق إليه.
.... 
في إحدى مقاهي مصر الجديدة كانت زينب تنتظر قدوم سما. لوحت لها سما بيدها عند دلوفها واقتربت منها تفتح لها ذراعيها بحب. 
_ وحشتيني يا زوزو مش عارفه ليه بتوحشيني...وكأنك غايبة عني شهور 
ابتسمت زينب وابتعدت عن أحضانها. 
_ مش أنا اللي بوحشك السينابون اللي أنا بعمله هو اللي بيوحشك 
دفعت زينب نحوها العلبة التي تحتوي على قطع السينابون لتضحك سما وهو تلتقط العلبة من على الطاولة. 
_ بقى عندي إدمان أنت بتحطيلي في إيه 
رفعت زينب حاجبيها بعبوس مصطنع وهي تمط شفتيها للأمام. 
_ ديه نكهة خاصة بضيفها لأي حاجة بعملها
_ يا سيدي يا سيدي
تمتمت بها سما بعدما خلعت سترتها ووضعتها بجانب حقيبة يدها والحقيبة الأخرى التي معها ثم اردفت بعدما فتحت العلبة. 
_ أنا زايدة كيلو الأيام ديه. بعد المعركة مع سينابون زوزو المميز... رجيم قاسې هعمله وهزود عدد أيام التمرين 
انفلتت ضحكة رقيقة من شفتي زينب بعدما بدأت سما تلتهم اول قطعة. 
_ يا بختك يا زوزو بتاكلي ومش بتتخني...
وبخبث واصلت سما حديثها.
_ الكابتن محظوظ بالعود الفرنسي 
اختفت ابتسامة زينب كما اختفى مرح سما عندما تذكرت سبب لقائهم اليوم فور عودتها من رحلتها. 
_ شوفي اه الكلام عن السينابون نساني اهم سبب لمقابلتنا النهاردة... 
هربت زينب بعينيها بعيدا عنها وتظاهرت بأنشغالها بأرتشاف كأس العصير خاصتها. ضاقت حدقتاي سما من هروب ابنة عمها وحركت مقعدها لتلصقه بمقعدها وتركت قطعة السينابون من يدها. 
_ بتخبي عينك عني ليه يا زينب... الموضوع شكله كبير 
شهقة مصډومة خرجت من شفتي سما فجأة وتساءلت. 
_ أنتوا عايشين مع بعض زي الأخوات من ساعت ما اتجوزتوا طيب ليه... هو عنده ولد يعني معندهوش مشكله تمنع... وأنت كنت فرحانه واشترينا حاجات كتير خاصة بالعرايس.. في إيه بقى 
رمشت زينب بأهدابها بعدما اطرقت رأسها وقبضت على يديها بقوة أسفل الطاولة حتى تتمكن من صياغة كذبتها... فليست المرة الأولى التي تكذب بها حتى تداري خيبتها عن أعين الجميع. 
_ اتفقنا كل واحد يدي التاني فرصة عشان نفهم بعض 
_ نعم 
خرج صوت سما في صياح وإستنكار وسرعان ما أدركت وجودها بمكان عام. 
_ خطوبتنا جات سريعة وإحنا محتاجين لده حاليا
_ ده إستهبال انتوا داخلين على شهر ونص متجوزين... معقول مع بعض في نفس الشقة ونفس الأوضة وملمسكيش
امتقعت ملامح سما وزفرت أنفاسها بقوة من ذلك القرار الأحمق الذي تخبرها به زينب. 
_ في ناس بتعمل كده يا سما خصوصا لو جوازهم جيه بسرعه
_ جية بسرعة اه لكن إيه اللي يمنع تبدئوا حياتكم الطبيعية كزوج و زوجة هو إحنا بنتجوز ليه 
قالتها سما بحدة لعدم إقتناعها ثم اطلقت زفيرا يحمل استيائها ورفعت يدها لتمررها على خصلات شعرها. 
استمرت زينب بالضغط على كفيها بقوة حتى تكبت دموعها التي في لحظة ستخونها وتفيض على خديها. 
_ مش عارفة ليه مش مقتنعه بكلامك وحاسة إن في حاجة مش مظبوطة... يعني معاملته ليك قدامنا خاصة يوم زيارتنا الكل بيحسدك عليه وباين من نظرة عيونه ليك إنه طاير بيك ومبسوط ما أنت يا زوزو مش ناقصك حاجة 
انغرز نصل آخر داخل قلبها الذي لم يعد به مكان ليتحمل طعڼة أخرى لكنها اعتادت أن تتظاهر بالرضى وقلبها ېنزف وعلى وسادتها ليلا تتمكن من مداواة قلبها. 
_ يا سما مافيش حاجة غريبة في الموضوع وأصلا حياتنا ماشية طبيعيه 
_ ماشية طبيعية إزاي قوليلي في عروسه متلبسش حتى قميص نوم واحد ... زينب جدو لو عرف الكلام هيشك في أمور تانيه بينك وبين صالح 
توترت زينب من ذكر اسم جدها فصمتها من أجله حتى لا تنكشف حقيقة هذا الزواج الذي خطط له صديقه وتسوء حالته. 
_ سما جدو مينفعش يعرف بالكلام ده
_ وتفتكري طنط لبنى و ماما هيسكتوا... وخصوصا طنط لبنى ھتموت بغيظها هي و عمو هشام بسبب جوازك من صالح الزيني 
ضحكت زينب داخلها ساخرة ليت الاختيار وقع على ابنة عمها المستشارة أشرقت . 
_ يا سما متكبريش الموضوع 
تنهدت سما بسأم من نظرة ابنة عمها للأمر ببساطة. 
_ الموضوع كبير يا زينب ولو انكشف كل اللوم هيتحط عليك أنت. قوليلي أنت ناقصك إيه عشان متبهريش أي راجل عيلة وأصل وتعليم وجمال 
ارادت زينب هذه اللحظة التي تخبرها فيها ابنة عمها عن مميزاتها كأبنة حسب ونسب أنها أيضا أبنة الشقيق المنبوذ الذي رفضه اخوته وجدها للأسف كان ضعيف أمام زوجته الأولى سليلة الباشوات. 
_ نفسي أعرف روحتوا شهر عسل تعملوا في إيه...
ثم اردفت سما بعدما اتضحت لها الصورة. 
_ عشان كده قعدتي مع جدو ايام تعبه الفترة اللي فاتت
حاولت زينب رسم ابتسامتها وهي تنظر نحو علبة السينابون قائلة. 
_ على فكرة السينابون بمناسبة إني هشتغل. 
رفعت سما احد حاجبيها لتكمل زينب كلامها الذي اختلقته ببراعة. 
_ صالح مشجعني إني ابني كياني هبدء شغل مع بداية العام الدراسي الجديد في مدرسة يزيد.
....
اغلقت زوجة عمها الباب ورائها لتستريح قليلا بعدما اطعمتها واعطتها حبة الدواء ورغم إعتراضها لإن شهد تحتاج للغرفة فامتحاناتها قد اقتربت إلا إنها أمرتها أن لا تشغل عقلها بأمر شهد. 
وضعت رأسها على الوسادة ثم خرجت منها تنهيدة عميقة وقد عاد ما حدث أمس وهذا الصباح يغزو رأسها. 
عاد قلبها لخفقانه ولأحلامه الوردية لتزدرد لعابها وتنفض رأسها حتى لا تعيش بهذا الوهم مجددا... ف نيرة منذ تقربها منها تخبرها بأن عمها يحتاج لزوجة تليق به. 
الألم عاد يجتاح قلبها لكنه كان كالأحمق يعود سريعا للنبض كوقع قرع طبول الحړب كلما مر مشهد أمس الذي لا تستطيع استجماعه بصورة واضحة داخل عقلها. 
اغمضت عينيها لتسقط في حلم جميل عاشته أمس لا تتذكر منه إلا مقتطفات مشوشة بسبب السخونة التي أصابتها. 
وقفت كارولين أمام المرآة تنثر العطر على عنقها بعدما ارتدت غلالة حريرية قصيرة . القت بنظرة خاطفة نحو سيف الذي انشغل بالكتب التي أمامه الخاصة بالدراسة... فمنذ عودتهم وعمله بالجامعه أصبح لا يشغل تفكيره إلا أن يحصل على الدكتوراه في سن صغير كما كان هو مخطط له قبل عودته من أمريكا. 
_ سيف ألن تنام 
رفع سيف عيناه عن الكتاب الذي ينقل منه بعض السطور ويدونها على الحاسوب اللوحي. 
_ نامي أنت يا حببتي. 
زفرت أنفاسها ثم تحركت نحو الفراش لتجلس عليه بضجر فهو لم يعد كما كان ملهوف عليها. 
ارادت فتح حديث معه وقالت دون تفكير. 
_ عمك معجب ب ليلى. 
توقف سيف عن تحريك أصابعه على شاشة الحاسوب لينظر لها محدقا بها وسرعان ما كانت تخرج قهقهته بقوة. 
_ عمي معجب ب ليلى النوم افضل لك كارولين. 
_ أنت تظن بأنني أمزح... صدقني عمك معجب بها ربما قريبا يخبرنا برغبته بالزواج منها. 
احتدت عينين سيف وهو يتخيل الأمر لكن نفض رأسه من كلامها الذي يراه هراء وقال بإستنكار. 
_ عمي يتزوج تلك الفتاة التي تعيش هنا كعطف منه لظروفها ..
_ هذا فقط ما تفكر به. 
زفر أنفاسه بقوة فلماذا يغضب من أمر تتكهنه هي 
_ كارولين لا تشغلي عقلك مع عمي عمي لا يفكر بالزواج 
نظرت
 

تم نسخ الرابط