رواية ظنها دمية بين أصابعه (الفصل الأول إلى الخامس والأربعون) بقلم الكاتبة سهام صادق
المحتويات
تلك المرأة التي تحمل اسمها وقد أصبحت ذكراها تحت التراب
روحي اطمني على سيادة اللواء وشوفي مش بيرد عليا ليه
صب هشام جام غضبه عليها كعادته ثم أطلق زفيرا قويا واتجه إلى مقعده خلف مكتبه الذي وضع وراءه على الجدار صورة ضخمة حملت
وإذا حكمۡتم بیۡن ٱلناس أن تحۡكموا۟ بٱلۡعدۡلۚ
حرك رابطه عنقه قليلا ليخفف من تقيدها حول عنقه ثم التقط فنجان القهوة وبدأ بإرتشافها ببطئ
التقطت كفه لتمسح عليه برفق وانسابت دموعها وخرج صوتها يهمس تظنه لن يسمعه
متسبنيش لوحدي يا جدو
أستاذه ليلى
توقفت ليلى عن سيرها وقد وقفت سلوى زميلتها جوارها بعدما استمعوا لصوت أحدهم
استدارت ليلى لتعرف هوية الشخص الذي ينادي اسمها وقد أسرع مصطفى بخطواته نحوها
ضاقت عيني سلوى في فضول بعدما استمعت لحديثه وازداد فضولها بعدما استمعت لرد ليلى عليها
أنا معملتش حاجه غير إني وصلت مشكلتك ل عزيز بيه
شكرها مصطفى مرة أخرى وابتعد عنهم حتى لا يجعل أحد العمال يتحدث عنهم إذا طالت وقفته معهم
شغل إيه اللي كنتي السبب في رجوعه ليه و عزيز بيه إيه اللي ډخله في الحكاية هو أنت تعرفي عزيز بيه يا ليلي
ألقت سلوى اسألتها دفعة واحده وانتظرت أن تفهم ما سمعته
خلينا نتحرك للباص يا سلوى دلوقتي وأنا هحكيلك
اضطرت ليلى لسرد حكاية العامل وقد أخذت سلوى تهز رأسها
وأنت عرفتي إزاي تتوسطي ليه عند عزيز بيه
هذا ما انتظرت سلوى معرفته
أنت ناسية إن عمي شغال سواق عند عزيز بيه
قالتها ليلى ولا تعلم لما اخترق فؤادها غصة مؤلمة حبها المستحيل الذي تكتشفه يوما بعد يوم
تصدقي نسيت خالص
قالتها سلوى ثم استطردت بمزاح
ارتسمت ابتسامة شاحبة على وجه ليلى وقد أسرعت بفتح النافذة جوارها
أنا مجرد موظفه في المصنع يا سلوى هوصل ل
عزيز بيه إزاي
لم تكن سلوى تعلم ولا أحد من زملائها بالمكتب أنها تعيش مع عائلة عمها في منزل عزيز الزهار
شوفتي أهو عمك رغم إنه سواق عند عزيز الزهار قدر يرجع عامل للمصنع وبقى ليكي جمايل عند عمال المصنع يا ليلى
عزيز بيه بيعتبر عمي فرد من عيلته عمره ما اتعامل معاه إنه مجرد سواق عنده
توقفت سلوى عن العبث بهاتفها وسرعان ما كانت تستدير برأسها جهتها تتساءل
ليلى هو أنت زعلتي مني
ثم واصلت كلامها بمزاح
يا بنتي يعني هو أنا اللي من الأكابر ما أنا أبويا سباك
وصلت الحافلة أخيرا إلي تلك المنطقة التي تنقلهم منها وتعيدهم إليها
أنت فين يا ليلى طيب خليكي واقفة عندك عشر دقايق وهتلاقيني قصادك
أتت شهد لكن بعد نصف ساعة وهي تحمل حقيبتها خلف ظهرها
اتأخرت عليك
رمقتها ليلى بنظرة حانقة ثم نظرت إلى الوقت بهاتفها
هي دي العشر دقايق يا شهد
معلش بقى المستر النهاردة أخرنا عشر دقايق عن ميعاد خروجنا
ثم أردفت
بتساؤل بعدما تأبطت ذراعها
قوليلي بقى هنشتري لخالي هدية على ذوقك ولا ذوقي
قالتها شهد فأتاها رد ليلى
ودي محتاجه سؤال يا شهد على ذوقي طبعا
توقفت شهد عن السير لتنظر نحو ليلى وقد مطت شفتيها للأمام فهذه عادتها إذا لم يعجبها الكلام
انفلتت ضحكة صغيرة من شفتي ليلى ثم عادت تسحب ذراعها ليكملوا سيرهم
خلاص نختار سوا
إذا كان كده ماشي
تمتمت بها شهد لترتفع بعدها صوت ضحكاتها التي كممتها ليلى بكف يدها
انتهوا من شراء الهدايا التي سيقدموها غدا لتنظر شهد إلى ما قاموا بشرائه
أنا عارفه بعد اللف ده كله مش هتعجبوا الهدايا وهيقول خسارة الفلوس اللي دفعتوها
قالتها شهد وهي تعطي حقيبة الهدايا إلى ليلى التي داعبت شفتيها ابتسامة خفيفة
هو بيقول كده لكن من جواه بيكون فرحان يا شهد
ذهبت كل منهن في طريقها شهد نحو أحد مراكز الدروس الخصوصية و ليلى استقلت إحدى سيارات الأجرة
أخرجت ليلى جزدانها
لتخرج المال لكن حدقتاها اتسعت فجأة عندما تذكرت الأغراض التي كان عليها شرائها من متجر مستلزمات الحلويات
طالعت الطريق بنظرة ثاقبة وسرعان ما كانت تغلق حقيبة يدها وتلتقط الأكياس التي وضعتها جوارها
ممكن أنزل هنا
أعطت السائق أجرته وترجلت من سيارة الأجرة
من حسن حظها أنها كانت قريبة من المتجر المختص ببيع تلك المستلزمات وقد أخذتها إليه عايدة من قبل
اشترت ما ستحتاجه ثم نظرت إلى الطريق وأطلقت زفيرا طويلا
رغم أنها تحب السير بهذا الطريق الخاص بالمجمع السكني الراقي الذي تسكن به إلا أنها اليوم لا تحتمل السير بسبب تورم أحد قدميها
خلاص قربنا يا ليلى
أخبرت حالها بقرب وصولها ومن وقت لأخر كانت تلتف حولها عندما تستمع إلى صوت سيارة قادمة
ضاقت حدقتي عزيز وقد أبطئ من سرعة سيارته قليلا
لم تستدير ليلى برأسها هذه المرة لترى السيارة القادمة ورائها
انا مش هلبس الجزمه دي تاني
تمتمت بها بصوت خاڤت مستاء ثم سقطت منها إحدي الأكياس التي تحملها
تنهدت تنهيدة طويلة ثم انحنت
لتحمل الكيس الذي سقط أرضا
تيبست ليلى في حركتها عندما وجدت سيارة ذات زجاج معتم تقف جوارها بنظرة خاطفة تعرفت على السيارة التي وقفت قربها إنها سيارة السيد عزيز
ابتعلت لعابها وتحاشت النظر نحو السيارة تتساءل داخلها هل وقف من أجلها مرة أخرى
انفتح زجاج نافذة السيارة وسرعان ما كان ينفتح الباب جهتها في دعوة صريحة منه أن تصعد السيارة
نظرت إليه وعلى وجهها ظهر الإرتباك
تنهد عزيز فهو كلما حاول
إخراج الكلام من بين شفتيه يتوقف على طرف لسانه
اركبي يا ليلى
خرج الكلام منه أخيرا ثم أشاح عيناه عنها
رمقها عزيز بنظرة خاطفة وكاد أن يتحرك بالسيارة مرة أخرى لكن ارتفع صوت رنين هاتفه
انشغل بمكالمته وجلست هي ملتصقة بمقعدها دون حركة أو صوت
حديثه مع المتصل كان يخص العمل لكن كل كلمة كانت تخرج منه ټخطفها لعالم أخر عالم تعلم أنه لن يجمعها به لكنها اختارت أن تضعه بعالمها الوردي
اختلس النظر إليها فسقطت عيناه على شفتيها المطلية بطلاء وردي خفيف
تلك الحركة التي تحرك بها شفتيها جعلته رغما عنه ينتبه على فمها الصغير وسرعان ما كان يشيح عيناه عنها ليتمكن من زفر أنفاسه بقوة ونفض رأسه من أفكاره التي تقوده للهلاك و السقوط نحو وزر يعلم عاقبته
نكمل كلامنا بكرة يا أستاذ بهجت
انتبهت ليلى على فعلته العجيبة وقد شعرت بالتوتر إنها تخشى أن يكون تضايق من وجودها بسيارته
توقفت السيارة لتلملم ليلى حاجتها سريعا لتترجل من السيارة
بنظرات مختلسة كان يتابعها ثم أشاح عيناه بعيدا عنها منتظرا خروجها من سيارته قبل أن يتجه بها لداخل الجراچ
كادت أن تفتح ليلى باب السيارة لكن تلك السعادة التي وجدتها على ملامح ذلك العامل اليوم وشكره لها جعلها تستدير جهته بتردد وعلى محياها ارتسم الخجل
شكرا إنك ساعدت العامل كان مبسوط أوي وهو بيشكرني النهاردة
خرج الكلام من شفتي ليلى بتعلثم ودون أن تنتظر رده فتحت باب السيارة وترجلت منها
تجمدت ملامح عزيز وعاد الكلام الذي ألقته عليه قبل خروجها من السيارة يتردد صداه داخل رأسه
باليوم التالي وفي تمام الساعة العاشرة مساء
كانت الضحكات ترتفع بصخب من الحديقة الخلفية لباحة المنزل حيث مسكن عائلة العم سعيد
نهض عزيز من فوق مقعده بعدما التقط مغلف صغير من درج مكتبه
التمعت عينين العم سعيد بالدموع وهو يرى ما أعدته له كلا من ليلى و شهد
احتضنهم بحب ثم ابتعد عنهم ليمسح دموعه
تأثرت عايدة لمشاعر شقيقها كما تأثر عزيز هو الأخر لكن سعادته اليوم كانت لا توصف وهو يرى ابنته وابنة شقيقه صارتا متقاربتين من بعضهم وقد فعلوا هذا الإحتفال سويا
شعور الراحة ارتسم على محياه كما تغلغل داخل فؤاده
تقدم عزيز منهم وقد انتهوا للتو من إطفاء الشمعة التي وضعوها على قالب التورتة التي تعاون نساء المنزل في صناعتها
عزيز بيه
قالها عزيز العم ثم أسرع نحوه
اتجهت عيني ليلى ناحيته وقد خفق قلبها لرؤيته لكن كعادتها أخفضت رأسها حتى لا تفضحها عيناها
ابتهجت ملامح العم سعيد عندما رأي عزيز يتجه صوبهم ثم قال بسعاده
شايف البنات عملوا ليا إيه يا عزيز بيه
ابتسم عزيز وهو يرى مظاهر الإحتفال البسيط وقد ارتدوا جميعهم على رؤوسم قبعة العيد ميلاد
كل سنه وأنت طيب يا راجل يا طيب
قالها عزيز ثم مد له ذلك المغلف وقد التقطه منه العم سعيد وتساءل بفضول
إيه ده يا بيه
افتحوا وهتعرف يا راجل يا طيب
تعلقت أعينهم جميعا بالعم سعيد أثناء فتحه للمغلف الصغير لتنساب دموعه فجأة
من دموع العم سعيد علم الجميع بما قدمه له السيد عزيز لم تكن المرة الأولى التي يقدم فيها عزيز للعم سعيد أو أحد أفراد عائلته هذة التذكرة بل قدمها لهم من قبل
ليلى هاتي ل عزيز بيه من التورته ابعدي عن الشيكولاته لانه مش بيحبها
أسرعت ليلى بتلبية ما أمرت به عايدة وقد جلس عزيز بين العم سعيد و عزيز سائقه وجلست شهد قبالة عزيز لتمازحه
كعادتها
اقتربت ليلى منهم بقطعة الحلوى وقد ارتفعت ضحكات عزيز عاليا بسبب مشاغبة الصغيرة شهد
أنت مصېبة يا شوشو
قالها عزيز ليضمها والدها إلى صدره بعدما
ارتفع صوت العم سعيد بتهكم
دلع فيها يا أخويا دلع أنا مش عارف مين متعوس الحظ اللي هيتجوزها
الدكتوره شهد ألف مين يتمناها بنتي هيقف ليها العرسان طوابير
ارتفعت الضحكات وقد وقفت ليلى قربهم وهو تحمل الطبق بحرج
انتبه العم سعيد عليها حيث وقفت ورائهم تحمل طبق الحلوى
اهي ليلى بقى اللى هيتجوزها هيكون محظوظ
ابتسم عزيز العم وهو يؤكد على كلامه ثم نهض ليأخذ منها ما تحمله
لولو دي جوهره ومش أي حد بيفوز ب جوهرة
دوق يا عزيز بيه من طبق الحلو أغلب الأصناف المعموله ليلى هي اللي عملاها
قالتها عايدة بفخر و عزيز رغم رفضه بالبداية من تناول الحلوى ليلا إلا أنه تناول ما صنعته وها هو يسقط يوما بعد يوم في قارورة العسل
اندهشت زينب من أمر جدها لها بأن تغلق باب حجرتها ورائها بعدما أتت لضيفه بواجب الضيافه
نظر شاكر نحو نائل الذي اعتدل على فراشه ثم أخذ يسعل
أنت كويس يا نائل
ابتسم نائل بعدما مسح شفتيه بالمحرمة الورقية
شوية كحة ليه مكبرين الموضوع
هز شاكر رأسه بيأس فهو أيضا يحاط بتلك الأسئلة لمجرد أن يسعل قليلا
والله ما عارف ليه دايما يحسسونا إننا خلاص بنودع
اتسعت ابتسامة نائل على حديثه فهو أكثر الناس دراية بحب شاكر للحياة
ما أحنا رجل بره ورجل جوه يا راجل يا عجوز ولا أنت لسا مشبعتش من الدنيا
امتعضت ملامح شاكر ثم أخذ يدق بعصاه أرضا
لا لسا فاضل ليا أمنية من الدنيا
متابعة القراءة