رواية ظنها دمية بين أصابعه (الفصل السادس والأربعون إلى التاسع والأربعون) بقلم الكاتبة سهام صادق

موقع أيام نيوز

ظنها دمية بين أصابعه.
الفصل السادس والأربعون. 
نظرت زينب إلى لاصقات الحوائط المصممة على شكل رسوم متحركة للأطفال وقد ارتسم على ثغرها إبتسامة عريضة فرحة بما فعلته. تنهدت ثم انحنت لتلتقط الأشياء المبعثرة في غرفة الصغير يزيد وترتبها ليصدح رنين هاتفها فأسرعت في البحث عنه حتى وجدته.
غادرت غرفة الصغير حتى تستطيع فتح المكالمة الهاتفية المرئية ولا يرى الصغير ما فعلته له من مفاجأة.

_ زوزو مش كنتي جيتي معانا شوفي أنا و يزيد مبسوطين إزاي.
قالتها حورية وهي تحرك الهاتف حتى تريها المكان لتبتسم زينب.
_ تتعوض إن شاء الله يا طنط المهم إنكم مبسوطين.
إلتقط الصغير يزيد الهاتف من جدته حتى يتمكن من رؤيتها بالكامل وتنتبه عليه فابتسمت حورية وداعبت خصلات شعره.
_ شكلي طولت في الكلام وأنت طبعا عايز تحكي مع زوزو.
هز الصغير رأسه بتأكيد على كلامها لتتسع حدقتي
حورية بذهول وسرعان ما كانت تضحك وهي تنهض من جواره قائلة
_ لأ أنا لازم أعرف من زوزو لما نرجع سر خلطة الحب بتاعتها.
ابتسمت زينب عندما إستمعت إلى كلام حورية.
_ ليه كده زعلت تيته منك شوف زعلت إزاي.
_ أنا مكنتش عايز ازعلها.
قالها الصغير وهو يزم شفتيه لتتسع ابتسامتها وهي تتحرك نحو المطبخ حتى تصنع لها كوب من مشروب النسكافيه المفضل لها.
_ قولي بقى عملت إيه من ساعة ما وصلتوا.
لم يترك الصغير شئ إلا وحكى لها عنه منذ وصولهم إلى المكان الذي اجتمعن فيه صديقات جدته بأحفادهم.
_ اتعرفت على سولي و لي لي و روني و رؤوف.
ضمت زينب حاجبيها وإلتمعت مقلتيها وتساءلت وهي تسكب الماء المغلي على مسحوق النسكافيه.
_رؤوف بس
بعبوس طفولي رد الصغير.
_ كلهم بنات مفيش غيري وغير رؤوف... تعرفي يا زوزو. لي لي دي شعرها حلو.
انشق ثغر زينب بإبتسامة واسعة.
_ لي لي بس اللي شعرها حلو طيب و بالنسبة ل سولي و روني.
ازدادت ملامح الصغير عبوسا.
_سولي دي وحشة عشان مش راضية تلعب معايا.
توقفت زينب عن تقليب مشروبها الساخن وابتسمت.
_ اديها شيكولاته من اللي انا ادتهالك وهي هتعلب معاك على طول.
بحيره تساءل الصغير بعدما وضع إصبعه أسفل ذقنه.
_ يعني هي لازم تاخد من الشيكولاته بتاعتي عشان ترضى تلعب معايا
حركت زينب رأسها له وهي تخشى أن تنفلت ضحكتها.
_ لأ يا حبيبي مش لازم نعمل كده بس مفيهاش حاجة لما نكون معانا حاجات حلوه كتير ومش هنعرف ناكلها كلها نوزعها على غيرنا.
بدأت عقدة حاجبي الصغير تنفك ثم أومأ برأسه.
_ خلاص هاخد سولي بعيد عن رؤوف وأديها من الشيكولاته بتاعتي.
إبتلعت زينب ما ارتشفته من مشروبها ثم أخذت تسعل بقوة وتقاوم رغبتها بالضحك.
توقف الصغير عن الكلام وقرب شاشة الهاتف منه وقد ارتسم القلق على ملامحه.
_ خلي بابي يمسح على ضهرك يا زوزو عشان الكحة تخف بسرعه وأنا لما ارجع هعمل كده.
أربكها الصغير بكلامه وإشتعلت وجنتيها بسخونة خفيفة ثم أخذت تسعل مرة أخرى.
_ أنا كويسة يا حبيبي قولي بقى ليه مش عايز الباقين ياخدوا من الشيكولاتة.
ارتبك الصغير فضحكت رغما عندما فهمت سبب ربكته وإحمرار خديه.
_ حلوه سولي على كده
رفع الصغير عينيه ثم استدار برأسه حتى يتأكد من أن لا أحد يسمعه.
_ أه حلوه وعيونها زرقة زي البحر 
....
أبهج الصغير روحها بعد مكالمته معها فتقاربهم معا يزداد حتى صار غيابه عن المنزل يشكل فارق معها.
جلست على الوسادة أمام الطاولة الصغيرة في غرفة الجلوس فهذا المكان أصبح مميز لها ولا تعرف سبب حبها للجلوس فيه بتلك الوضعية.
كوب النكسافية الذي ارتشفت نصفه وضعته على الطاولة بجانب أغراضها الخاصة بالدراسة.. فاليوم عليها تحضير محاضرة الغد الذي ستدرسها لطلابها
القلائل بالمعهد.
تنهيدة عميقة أطلقتها وهي تفتح شاشة الحاسوب الجديد الذي جلبه لها كهدية ولا تنكر أنها كانت بحاجة إليه.
للحظات تركت عقلها يستعيد ما فعله معها الأيام الماضية وقد لمست أفعاله قلبها الذي عاد ينبض من جديد أثناء قربه.
أغلقت جفنيها واستمتعت بما رسمه قلبها لكن دوما الحقيقة كانت ټصفعها بصڤعة قوية... هي لم تكن إلا إختيار أجبر عليه من جده ووافق عليه لأنه اقتنع أنها العروس المناسبة لحياته وحياة صغيره.
نفضت رأسها وسحبت نفسا طويلا و عميقا ثم زفرته بقوة لتبدأ في تحضير محاضراتها.
لم تمر إلا ساعة واحدة وكان رنين الهاتف يرتفع لتتعلق عيناها برقم المتصل بدهشة. 
...
ابتسم الجد عند استقلت زينب السيارة جواره.
_ شكرا يا بنتي إنك وافقتي تيجي معايا المستشفى.
بإبتسامة خفيفة حاولت زينب إظهارها.
_ مش محتاج تشكرني على واجبي.
تنهد شاكر بحزن فهو يعلم أن زينب لم تأتي معه للمشفي إلا من أجل الواجب.
_ بطلتي ليه تقولي جدو يا زينب ولا أنا خلاص مبقتش في مقام جدك.
بنظرة حملت الآلم والعتاب رمقته دون أن تنبس بكلمة لم يجد شاكر إلا الصمت... فهو يعلم بالجرم الذي فعله بها بعد أن انكشف أحد أسباب تلك الزيجة.
توقفت السيارة أمام المشفى لينظر إليها بعدما أمر السائق أن يترجل
_ نص المستشفى ملك للعيلة يا زينب ده غير حاجات كتير.
ما يخبرها به الآن هي تعرفه لكن العجيب أنه يتحدث اليوم عن أملاك العائلة العديدة.
أسدل شاكر جفنيه للحظة وهو يحرك رأسه ثم واصل كلامه.
_ كل اللي تملكه العيلة لصالح ومن بعده ولاده.
ابتسم الجد عندما رأها تنظر إليه بنظرة حملت العديدة من الأسئلة.
_ ساعدي جدك العجوز يخرج من العربية ولا انادي اسماعيل يساعدني.
فاقت من شرودها الذي كان حديثه سببا فيه لتسرع بلملمت شتاتها قائلة
_ ثواني هنزل أساعدك.
مدت زينب يدها إليه لتساعده في الخروج من السيارة. 
اقترب منه السائق متسائلا
_ محتاج مني حاجه يا سعادة البيه
بإبتسامه لا تحتل شفتي شاكر إلا قليلا قال وهو يسير جوار زينب.
_ شكرا يا إسماعيل أنا معايا مرات الغالي.
لم يكن لطف شاكر معها اليوم أو من قبل يعطيها إحساس بالراحة لكنها اعتادت على إظاهر الود.
تحرك شاكر معها بخطوات بطيئة تناسب سنوات عمره والأمل يملأ فؤاده هو يريد بشدة الحصول على أحفاد من زينب.
دلفوا إلى المشفى وهو يتأبط ذراعها تقدم منهم أحد الأطباء عند دخولهم بترحيب شديد.
_ شاكر باشا نورت المستشفى كلها.
ابتسم شاكر
_ اشكرك يا دكتور زاهر على المجاملة اللطيفة.
ثم استطرد وقال بعدما تحركت عينيه نحو زينب.
_ مدام زينب الزيني زوجة حفيدي وده دكتور زاهر شريك معانا في المستشفى.
بخجل نظرت زينب نحو الواقف الذي هتف وهو يمد يده لها للمصافحة.
_ أهلا يا مدام زينب حضرتك طبعا في غنى عن التعريف لأني حضرت فرحك أنت وكابتن صالح.
شق ثغر زينب بابتسامة خفيفة وردت.
_ اتشرفت بمعرفتك يا دكتور.
على الفور أجاب زاهر.
_ الشرف ليا يا مدام.
وسرعان ما كان يخرج تساءل زاهر بقلق.
_ فيه حاجة تعباك ولا إيه يا باشا ده أنت كنت عندنا من اسبوع وما شاء الله عليك.
_انتبهت زينب على كلام الطبيب زاهر ونظرت نحو الجد فهو أخبرها أن لديه فحص اليوم وعليه الذهاب حتى يطمئن على صحته.
_ أنا جاي لدكتور شرف الدين عشان خاطر زوجة حفيدي اصل الحمل اتأخر وعايزين نطمن.
اختفت ابتسامة زينب وجحظت عيناها من الذهول لتنظر نحو الجد الذي وقف يتحدث ببساطة فقال زاهر وهو يرمق زينب التي تراجعت إلى اللوراء خطوة.
_ دكتور شرف الدين شاطر جدا في تخصصه اختيار موفق يا باشا.
بنبرة صوت خرجت متعلثمة باهتة قالت وهي تلتف بجسدها.
_ أنا شكلي وقعت الإسورة بتاعتي في العربية.
رد شاكر بعدما استدار برأسه جهتها.
_ هكلم إسماعيل يجبهالك.
لم تنتظر لتسمعه وقد تعجب من مغادرتها بتلك السرعة كما تعجب الطبيب زاهر من الأمر ووقف يتابع في صمت.
انحبست أنفاسها داخل صدرها وهي تحدق بالمساحة الواسعة أمامها بعدما غادرت المشفى لتنحني بجسدها قليلا وهي تمسد موضع قلبها. أغلقت جفنيها بقوة ثم أخذت تهز رأسها حتى لا تبكي لكن دموعها خانتها.
انسابت دموعها على خديها فهي لا تستوعب ما كان سيحدث إذا لم يتصادف طريقهم مع ذلك الطبيب ويصرح الجد عن سبب وجودهم بالمشفى.
بيدين مرتعشتين أخرجت هاتفها من حقيبتها التي تضعها على أحد أكتافها.
انتبه صالح علي اهتزاز هاتفه على طاولة الإجتماعات التي أمامه وقد كان تركيزه منصب على شاشة الحاسوب التي أمامه ويستمع بإنصات إلى أحد المهندسين المسئولين عن شبكة المعلومات.
التقط هاتفه بعدما رأي اسمها على شاشه الهاتف ونهض معتذرا من الجالسين أمامه.
_ ثواني يا جماعه وراجع كملوا مناقشة.
أسرع صالح بمغادرة الغرفة وهو يمرر إصبعه على شاشة الهاتف حتى يجيب عليها وقبل أن تخرج من شفتيه كلمة كانت تهتف هي بصوت متهدج.
_ أنا بكرهك يا صالح بكرهك.
توقف صالح عن التحرك وتجمدت يديه على الهاتف لتعيد ما قالته مرارا.
_ بكرهك أنت السبب..
وأردفت وهي تنظر إلى أنظار كل من يمر بجانبها.
_ أنا بكرهك زي ما بكرههم.
هزته تلك الكلمة التي لأول مرة يعرف مدى صعوبتها أن يكرهك الشخص الذي ذهب قلبك إليه مرتاحا مرحبا وأراد أن يسكن بين أضلعه ازدرد لعابه وثقلت أنفاسه وعندما استطاع أخيرا تمالك نفسه وإخراج صوته حتى يعلم ما حدث لها وجعلها تخبره بكرهها له أنهت المكالمة وأغلقت الهاتف.
حاول إلتقاط أنفاسه وهو يعيد لمرات عديدة مهاتفتها.. ليلطم الجدار الذي أمامه بقبضة يده بعد أن يأس من الوصول إليها.
دخل غرفة مكتبه ليسرع في مهاتفة والدته لكنه تذكر أنها ليست بالڤيلا منذ أمس.
حرك رابطة عنقه فشعور الإختناق بدأ يسيطر عليه لتحتد نظرات عينيه وهو يتذكر فرد واحد سيفهم منه كل شئ.
أسرع بمغادرة المطار وهو يضع الهاتف على أذنه منتظرا رد الطرف الآخر.
_ كده يا صالح نسيت دادة نعمات.
قالتها نعمات بسعادة فور أن ردت عليه ليتساءل صالح بنبرة صوت مهزوزة وهو يضغط على أزرار المصعد.
_ داده جدي عندك في الڤيلا!
أجابته نعمات بقلق
_ لأ يا بني خرج مع السواق.
اتجه صالح نحو سيارته وقد بدأت أنفاسه تخرج بلهاث.
_ مسمعتيش راح فين
قطبت نعمات حاجبيها وسرعان ما كانت تتذكر حديثه بالصباح عندما ذهبت إليه بقهوته.
_ أنا سمعته كان بيأكد حجز عند دكتور لكن مش عارفه دكتور إيه.
_ مين السواق اللي مع جدي يا دادة 
...
دخل صفوان غرفته بالمشفى وخلفه مساعدته من طاقم التمريض تخبره عن الحالات التي سيمر عليها اليوم لمعاينتها.
أشار إليها أن تتوقف للحظة لينظر بتعجب نحو هاتفه بعدما إلتقطه من على طاولة مكتبه.
لم يكد ينطق بكلمة ليجد صالح يتحدث برجاء.
_ بابا زينب مع جدي في المستشفى وتقريبا جايبها من غير ما تعرف عشان يعرضها على دكتور نسا.
وبصعوبه استطرد وهو يزيد من سرعة سيارته.
_ قوله إنه بيدمر حياتي للمرة التانيه والمرادي بجد هقاطعه طول العمر ومش بعيد اسيب ليه البلد كلها عشان يرتاح.
ارتجف قلب صفوان وهو يخرج من غرفته بعجالة ف أتبعته مساعدته بقلق وهي تهتف باسمه.
_ دكتور صفوان.
عندما تقابل صفوان مع والده
تم نسخ الرابط