رواية ميراث الندم (الجزئين) بقلم أمل نصر

موقع أيام نيوز

نصبر ونستنى 
قال الأخيرة بنظرة واضحة نحو ورد التي عادت للبكاء مرة أخرى ليعلق بحنق
جرا ايه يا بنتي ما تخفي شوية حنفية الدموع اللي ما بتقفلش دي ھتموتي نفسك من العياط 
احست روح بضيقه فقالت مهونة
معلش يا يوسف راعي حالتها هي روحها في اخوها وكل اللي تعبها دلوك هو زعله منها
طب انا شرحت ورغيت على قد ما اقدر معاه لكنه هو سادد ودانه سمع مني وبعدها طردني انا وهي من الأوضة من غير ولا اي كلمة زيادة ولا اكننا اجرمنا 
تدخل عارف يدلي بدلوه
الموضوع مش هين يا عم الحج حتى وانت الحق معاك وجصدك كان نبيل وهو متأكد من كدة لكنه لازم ياخد في نفسه دي
يعتبر بته جبل ما تكون خيته اللي رباها لوحده من غير مشاركة من حد الصبر يا جماعة اهدوا كدة وسيبوه يستوعب من غير الحاح ولا زن يزود من عصبيته 
وكان بكلماته خير مقنع ليهون قليلا عليهما 
التزمت بتعليماته تبعته بهدوء في صعود الدرج حتى وصل بها الى اخره لتخطو خلفه الان فوق سطح البناية تتجنب في خطواتها الاصطدام بالعديد من الاشياء التي تقابلها في طريقها كقطع الاثاث القديم والمتاكل والعديد من الزاوئد التي تخلى عنها السكان والقوا بها الى هنا لعدم حاجتهم بها 
انتبهت لاقترابه من غرفة صغيرة تحتل الانفراد في المحيط وحدها استنبطت بفراستها انها مسكن الشاب لتتأكد من ظنها حينما وجدته يقف امام الباب يلتف اليها برأسه ويشير بسبابته لها على فمه بإشارة نحوها حتى لا يصدر منها صوت
اومات رأسها له بطاعة ظنا منها انه سوف يقوم بالطرق على الباب ولكنه فاجأه بأن دفع الباب بقدمه وبحركة سريعة جعلتها تسمع لصړخة الفتى من داخل الغرفة بإجفاله
ايه في ايه انتو مين 
تقدم فايز يدلف اليه ولحقت هي به لتقابل بأبصارها الفتي جالسا بجذعه على فراشه وكأنه قد استيقظ مڤزوعا من نومه على اثر الدفعة القوية
بوجه انسحبت منه الډماء راقب اقتراب الاثنان منه حتى جلس فايز على طرف الفراش بجواره يتحدث بشكل عادي وكأنه لم يوقف للتو قلبه بفعلته
متأخذناش يا ولدي صحناك من نومك وانت يدوبك حاطط راسك من ساعتين بس بعد رجعتك من الورشة اللي بتشتغل فيها طول الليل
برقت عينيه وتعالت انفاسه 
مچنونة في عينك جليل ادب 
استني يا سليمة 
هتف بها فايز مقاطعا لها ليستأنف حديثه مع هذا الفتى بابتسامة صفراء
دا انت طلعت كمان عرفني طب تصدج بقى انا دي اول مرة اتعرف عليك مباشر كدة واتعامل معاك كنت اعرف ان المرحوم ولدي عنده صحاب كتير بس للحق مكنتش اعرف منهم غير الجريب اسمك انت حسين مش كدة برضوا ساكن هنا لوحدك عشان طفشان من بيت ابوك الزحمة بخواتك وعيال خواتك بتشتغل في ورشة ميكانيكا واللي بيطلعك من مكسب بتضيعه على مزاجك والسنكحة مع اصحابك الشمال زيك لا في حد يشكم ولا حد يسأل حتى لو غبت بالشهور 
سهم حسين بنظره اليه منعقد الحاجبين بتوجس للقادم اما عن سليمة فقد تأكدت ان فايز هذه المرة قد أخذ الأمر بجدية متناهية وهذه بادرة جيدة لتترك له دفة الحديث 
انتوا عايزين ايه مني داخلين ھجم على بيتي ليه
خرج السؤال من حسين بتجهم نحوهما وقد ضاق به منهما حدجته سليمة بنظرة صارمة دون صوت وجاء الرد من فايز بهدوء ما يسبق العاصفة
احنا جاين يا ولدي طماعنين في كرمك تحكيلنا كل اللي تعرفوا عن المرحوم وغرضكم كان ايه انتو الاتنين لم اتهجمت على بيت سليمة ولا غرق المرحوم اخوه امه شاكة كمان ان انتوا ليكم يد فيه 
صاح به حسين منفعلا
مين اللي ليه يد انا مليش دعوة بكل اللي بتجولوه انتوا جايين تتهموني بالباطل وتلبسوني نصيبة 
شكله عايز يتعبنا يا سليمة
صدرت من فايز نحوها بلهجة هادئة ثم ما لبث ان يعود بحركة سريعة يقبض على قماش قميص الاخر ليهدر به بۏحشية
اسمع يا واد اكيد انت واخد فكرة من
المرحوم عني
انا راجل فاجد من كل شيء وعامل كل المصاېب في دنيتي دا غير اني واكل عيالي الاتنين على حياة عيني يعني معنديش شيء اخسره تاني ودلوك بالذات على اخري لا حمل مماطلة ولا لت وعجن يا تجاوب عن
سؤالي يا تستلجى وعدك بأني احط غلب السنين كلها فيك 
انتفض حسين وقد شحب وجهه يقارب لون المۏتي ليواصل الاخر بضغطه
ناوي تتعدل وتريحني بالحجيجة كاملة ولا اخد تار عيالي التنين منك انت ما هو انا معنديش غيرك 
دافع بمظلومية
وانا مالي يا عم الحج والله العظيم ما ليا دعوة بجتل أي واحد فيهم انا مالي بكل ده 
مالك انت كنت شريكه 
صړخت بها سليمة تخرج عن صمتها لتواصل
انت دخلت ع البيت واتهجمت علي وانا طخيتك في رجلك اللي بتعرج منها
قبل انت ما تشق صدري بطعڼة غادرة منك ولما سألتك المرة اللي فاتت عن مۏت ولدي زاغت عينيك وساعتها اتأكدت انك متورط 
صړخ بدوره بخطأ منه وبما اثبت الشك داخلها
مش انا اللي متورط انا أخري كنت مراجب 
قطع الأخيرة حينما جذبه فايز پعنف مقربا وجهه المخيف منه حتى أصبحت انفاسه تلامس بشرته ليتمتم بفحيح
مدام اعترفت بدورك يبجى تحكي كل اللي تعرفوا دلوك على طول يا أما قسما بالله لاكون جاتلك في الأوضة المعزولة دي وحتى الجيران ما تعرف پموتك غير بعد ريحتك ما تطلع 
زاده فزعا فوق الفزع يكتنفه شعور قوي بصدق تهديده لينصاع مجبرا لرغبتهما على مضض
انا هجول كل اللي اعرفه على شرط ان محدش فيكم يجربلي بعدها ترحوا لحالكم وتسببوني في حالي 
تردد فايز في الاستجابة لطلبه عكس سليمة التي باغتته بموافقتها
لك مني الامان بس اتكلم
سمع منها ليطالعها بنظرة مترجية جعلتها تخاطب الاخر
سيبه يا فايز وهو لو حاول يكدب بنص كلمة انا هكشفه على طول
تنفيذا لرغبتها تركه على مضض ليزفر بحنق ما يشعل صدره قائلا
واديني سيبتك خلصنا ياللا
التقط حسين انفاسه يتمالك زمام امره قليلا بعد الاختناق وټهديد الاخر ليفرغ ما جعبته كاشفا الستار عن حقيقة ما حدث في الحالتين اخيرا
انا هبتدي باليلة اياها ليلة غرج المرحوم الكبير حجازي 
اهتزت سليمة بوقفتها لتسحب سريعا كرسي قديم فتجلس بالقرب منهما مخاطبة له برجاء
جول يا ولدي ريحني الله يرضى عنك بالحجيجة مهما كانت جسوتها انا راضية المهم اعرف 
اومأ لها بهز رأسه ليعود بذاكرته لهذه اللحظة المشؤمة حينما كان يعمل في ورشته بتركيز واقتحم عليه مالك بصوته
حسين تعالى عايزك بسرعة

ترك حسين اطار السيارة التي كان يعمل عليها ليرفع رأسه متسائلا
عايزني في ايه
وقبل ان يستوعب وجد الاخر يفاجئه بجذبه من ذراعه لينهضه عن جلسته يسحبه للخارج قائلا
هفهمك دلوك 
اعترض معبرا عن حنقه
يا جدع ساحبني كدة زي البهيمة طب اديني فكرة ع اللي انت عايزني فيه 
يا بوي بجولك هتفهم 
هتف بها قبل ان يستوقفه امام القهوة الشهيرة في هذا المكان الممتلئ بعمال المنطقة الصناعية او سائقي السيارات التي تتوقف هنا ليستريح قائديها من عناء الطريق بشرب القهوة او تناول شطائر سريعة تعد خصيصا لذلك
اها هو دا اللي عايزك تشوفه 
اشار بذقنه نحو طاولة حجازي ومساعده ليردف بغل
انا شايف ان دا احسن وجت الباشا جاعد هنا براحته ولا هامه وعربيته جاعدة في اخر الدنيا تحت الكبري
القى حسين بنظرة نحو السيارة ذات الحمل الثقيل بأجولة الدقيق الفاخر ليستائل بتوجس
جصدك ايه مش فاهم 
انفعل مالك في مخاطبته
يا جدع افهم اللي
قاعد قدامك دا اللي واكل حق ابويا في بيته دا اللي منع ملايين كنا مستنينها وهترفعنا لفوق
واكمل پحقد
دا اللي واخد حظه وحظنا كلنا ومخلي الجميع يكرهنا حبا فيه 
ااااه
تمتم بها حسين يحرك رأسه بتفهم
قولتلي بقى هو دا حجازي اخوك اللي خد ورثكم ف البيت طب انت جايبني هنا عشان اتفرج عليه يعني خلاص يا سيدي عرفته 
يا جدع متبقاش غبي وافهم انا جايبك هنا عشان نويت انفذ اللي بخطط فيه بقالي ايام دي انسب فرصة عشان اخلص 
سمع منه تبرق عينيه بتفهم سريع لمقصده والذي طالما ايده عليه سابقا اثناء حديثهم لكنه تفاجأ الان من جديته
مالك انت واخد بالك م اللي بتجوله خلي بالك يا حبيبي دا مفيهوش هزار والغلطة هنا بفورة
قالها بتحذير عله يتراجع ليفاجأه الاخر بتصميمه مشددا بكلماته
بجولك دي فرصتي عشان انهي الکابوس ده وبدل ما هو يورثنا في حياتنا نورثه احنا في مماته عايزك بس تبجى ضهري وتراجب فاهمني 
ذهب لتنفيذ ما عزم عليه بعدما اخذ الامان من صاحبه في تغطية ظهره والذي فضل دخول المقهى يجاور الاثنان على طاولة
اخرى حتى لا يثير الشك بوقفته ف الخلاء وحده يتعامل بطبيعية معتمدا على عدم معرفتهم به ليطلب من العامل كوب شاي يلهي نفسه بارتشافه وابصاره لا تفارق جلسة الاثنان وضحكاتهم المستمرة حتى توقفت فجأة مع دلوف شخصان ليقتربا منهما ويشاركا الجلسا معهما
انتبه حسين على لمحة التوتر التي اعتلت معالم المقصود حتى استشعر مساعده الحرج فقام بالاستئذان للذهاب نحو المرحاض وتركه في التعامل معهما وحده 
تشتت حسين ما بين مراقبة المساعد الذي ذهب الى المرحاض وبين متابعة هذا الذي احتد في نقاشه مع الشابين حتى وصلت أصواتهم اليه
جولت لا وكفاية يا سند انا غلطت لما تبعتكم من الاول لكن لحد كدة وكفاية جدي اللي يباركله اتعامل بحسن نية وانا مش جادر استحملها دي ولا استحمل حقد ابويا واخواتي عليا 
يعني ايه انت واعي للي بتهلفط فيه دا احنا مصدجنا خلاص عايز تجلب الطرابيزة علينا واحنا خلاص على وشك ارسى على حيلك يا حجازي انت عارف من الاول ان ابوك هيطردك من البيت بمجرد ما جدك يرحل هيستولى ع البيت ويمنع عن خواته نصيبهم اهدي يا حبيبي وفكر في اللي جاي والخير اللي مستانينا
اسمع كلامك واد عمتك يا حجازي وبلاش غشم يخسرك اللي وراك واللي جدامك 
ما انا كدة برضك خسران يا عم عيسى ولا انتوا فكركم ابويا هيسكت لما يظهر المستخبي ويعرف اللي فيها دا مش بعيد ينفذ تهديده ويطخني صح جدام الخلج 
ومين هيعرفوا احنا زي ما كتمنا في الأول هنكمل للاخر بعد كدة بجى تجدر اللي انت عايزه ترجعله البيت تعطيه مما انعم عليك الله تعمل انت عايزه المهم تبجى خدت حجك واحنا خدنا حجنا 
استمر النقاش لدقائق وهذا يتصنت بتركيز شديد 
ينتابه الفضول بشدة لمعرفة الباقي السر الخفي وراء حديثهم ولكن الحديث انتهى فجأة ونهض الثلاثة تزامنا مع خروج المساعد من المرحاض ليخرج اربعتهم ثم تفرقا كل اثنان في اتجاه
تبعهم في الخروج وابصاره مصوبة نحوهم حتى دلفا حجازي ومساعده للسيارة فتذكر هو امر صديقه ليبحث بعيناه يريد اخباره بالجديد حتى ظهر اخيرا بعد ان كان متخفيا بركن ما ليتقدم نحو بضحكة ملأ فمه جعلته يتوجس سائلا باقتضاب
نفذت يا مالك
رد بثقة لا تشوبها اي ذرة من ندم
طبعا ودي فيها هزار خلينا ننهي
يا عم الحج وكل واحد يا خد حقه
معناوته ايه كلامك ده
صاح بها فايز يجفله ليقطع سيل ذكرياته ويستدرك الان خطۏرة ما تفوه به امامه وامام سليمة التي أغمضت عينيها پألم تذرف الدموع بصمت وقد تأكدت الان من صدق حدسها ليعود مؤكدا هو
انا بجول الحجيحة اللي انتوا طلبتوا تعرفوها مالك هو اللي جطع فرامل العربية 
وكمان بتأكد الله ېخرب بيت ابوك
صړخ بها لينقض عليه يقبض على ياقتي قميصه يردد پصدمة وعدم استيعاب وكأنه ينوي الفتك به
انت أكيد بتكدب ياد ولدي لا يمكن يكون السبب في مۏت اخوه انا هموتك يا بن ال 
كان يهدر به 
يعني انتي مصدجه كلامه دا يا سليمة ولدي انا يجتل اخوه
ظلت لبعض الوقت تطالعه صامتة تتركه يستنبط الاجابة من نفسه ويتذكر حماقاته والأفعال العدائية نحو ابنه الأكبر ليحصد الان نتاج غبائه وېحترق بنيران الاثنان معا بخسارتهما وقد ثبت الان انه هو المتسبب في كل ما حدث بين الشقيقان حتى عض الانامل لن تحدي نفعا في ندمه 
اطرق بحزن قسم ظهره لا يقوى على رفع رأسه في وجه ابنة عمه التي ظلمها واحړق الاخضر واليابس لها البغض والكره هو اقل ما يستحقه الان منها 
هات يدك يا فايز 
ارتفعت ابصاره إليها والى يدها الممدودة اليه عالية الهامة قوية كالجبل تقف امامه وتصعقه بالمبادرة بمساعدته حتى برغم ما علمته الان 
لا يا بت عمي انا اجدر اجوم 
قالها ثم استند بكفيه لينهض عن الأرض بصعوبة ولكنه اهتز في وقفته ليجد يداها تتلقف ذراعه
براحة على نفسك يا فايز
التقت عينيه بخاصتيها يجتاحه خزي عظيم ليجاهد ضعفه ويستقيم بوقفته ثم ينزع يدها بلطف يكفيه ذلا وخسة انه لم يترك لها شيئا واحد يشفع له!
كان ينوي الخروج ولملمة الباقي من كرامته ولكنه توقف على سؤالها لهذا المدعو حسين
انت جولت عن حاجة واحدة دلوك انا عايزة اعرف التانية ايه اللي خلاك تتهجم على بيتي
اجابها بتجهم
انا لما جيتلك مكنتش لوحدي كان هو تحت مستنيني اطلع واديله الامان عشان يطلع بعدي ويفتش في حاجة جده ويطلع ورق البيت بس انتي فاكرة طبعا حصل ايه
قال الأخيرة بإشارة نحو قدمه التي يعرج منها حتى الان لتومئ برأسها له زافرة دفعة ثقيلة من انفاس مشحونة بڠضبها وقد صدق ظنها للمرة الثانية ليومض عقلها بتذكر سريع
حاجة تاني عايزة أسألك فيها وياريت تجاوب من غير ملاوعة لو كنت تعرف عمي عبد المعطي جد مالك عرف كيف بچريمة حفيده رغم انه كان في غيبوبة 
توقفت صامتا لحظات حتى ظنت بعدم معرفته ثم ما لبث ان يجيبها
اللي اعرفه ان الله يرحمه مالك كذا مرة يروح يتكلم معاه ويأنبه على عملته وانه كان السبب في كل اللي وصلوا ليه هو و 
توقف برهة يراقب رد فعل فايز قبل ان يكمل بتردد
هو ووالده كان دايما ساخط على كل فعل منه مالك كان طول الوجت جواه ڼار بتغلي 
عودة الى القاهرة وبداخل المشفى 
حيث غرفة مشمش والتي تفاجأت بزيارة الثلاثة لها
يا أهلا يا ست ورد انتي والقمرات اللي جم معاكي تعبتوا نفسكم
ليه بس
تفوهت بالكلمات مرحبة بهن وامتنانها لزيارتها بباقة الزهور التي أتين بها اليها رغم قلقها لحال ورد وهذا الحزن الذي يكسو قسماتها والتي ردت بابتسامة 
مفيش تعب يا مشمش انت بنت حلال ودي حاجة بسيطة متستهلش 
اضافت على قولها روح
دا انتي تستاهلي الدنيا وما فيها يا مشمش بعد العمل البطولي اللي جومتي بيه

تم نسخ الرابط