رواية ميراث الندم (الجزئين) بقلم أمل نصر
المحتويات
بغضبه نحوهم
الله ېخرب بيوتكم الحكومة عاملة حملة وجاية ع البيت يلعن فايز وخلفة فايز بجدمكم النحس اللي يجيب الفقر
قالها وتحركت اقدامه على الفور نحو المغادرة وخلفه الشيخ المزعوم ولكنه تفاجأ بمن يقف يتصدر أمامه
على فين يا صدجي باشا هتمشي كدة من غير ما ترحب بحبايبك اللي جاينلك مخصوص يباركولك ع اللقية الجديدة
بسيوني
انتبه عارف عقب خروجه من المرحاض واثناء تجفيفه بالمنشفة على شعر رأسه لصوت زوجته المنفعل في الحديث عبر الهاتف مع احدهما
ازاي مجالكبش رايح فين يطلع في عز الليالي بالرجالة بتاعته من غير ما يقولك على خط سيره دا اټجنن دا ولا ايه وانتي هتجوليلي ما انا عارفاه وعارفه راسه الناشفة يا حبيبتي اهدي متجلجيش عليه دا اخويا وانا عارفاه على كد ما هو متهور في افعاله لكنه في نفس الوجت حريص ومفيش ازكي منه يا حبيتي عارفة ان انتي
انهت المكالمة لتلتف نحو زوجها الذي جلس بالقرب منها على الفراش يسألها بقلق
ايه الحكاية ماله اخوكي المچنون عمل ايه
ردت بقلق واضح
دي نادية متصلة بتجول انه خد الرجالة وطلع من ربع ساعة بالظبط ولما سألته مرديش يريحها غير بجملة واحدة متجلجيش خير ان شاء الله
غمغم عارف بدهشة قبل ان يتناول هاتفه ويطلب الرقم على الفور ثم عاد اليها بقوله
ېخرب عجله دا بيقولي الرقم مغلق هو راح فين الجزين ده
ما هو دا اللي مخلي مرته بتشد في شعرها مسكينة بتكلمني وھتموت من الړعب خاېفة عليه حتى وهي بتلاوعني في الكلام انا نفسي كمان هتجن واعرف راح فين عليا النعمة غازي ده عايز اللي يلمه على عمايله دي طب يدينا خبر
طبعا صاحبه يا مچنونة انت كمان
هتفت بها ردا لها قبل ان يعاود الاتصال مرة اخرى مرددا بقلق تسرب اليه هو الاخر
جيب العواقب سليمة يارب يا ترى هببت ايه يا غازي الزفت
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
صړخت بها وهي تنهض بجزعها عن الفراش واضعة يدها فوق موضع قلبها وكأنها كانت في سباق عدو ولسان فمها لا يتوقف عن التمتمة بالأدعية الحافظة رغم لهاثها
بسم الله عليكي يا بتي دا اكيد كابوس اللي كتم على نفسك
قالتها سکينة وتقدمت نحوها بالكوب الزجاجي الممتلئ بالمياه لتلتقطه الأخرى وترتشف منه المياه دفعة واحدة وكأنها كانت في صحراء جرداء لتمسد المرأة على ذراعها بحنو قائلة
بالهنا يا بنتي ليكون نمتي من غير ما تقري قرآن مش بعادتك يعني
والله ما انا عارفة دا كان كابوس ولا حقيقة اللهم اجعله خير
سألتها سکينة بفضول
ليه يا بتي هو انتي حلمتي بإيه
كانت على وشك ان تجيبها قبل ان تنتبه على خلو الغرفة الا منهما لتسالها بفضول
امال هويدا راحت فين دي نامت جبل اما انام
اجابتها سکينة بعدم اكتراث وهي تعود لفراشها بخطواتها البطيئة بفضل التقدم بالعمر
جالها اتصال من شوية وبعدها رجعت تلبس عبايتها السودة بتاعة الطلوع واما سألتها راحة فين جالت جوز بتي جاعد تحت مستنيني عايزني اروحلها دلوك واشوفها ليكون اللي عندها دلوك طلق ولادة
طلق ولادة
رددت بها سليمة من خلفها لتغمغم بتساؤل واستغراب
طلق ولادة ع التامن يمكن الله اعلم
وصلت القوة الأمنية لتدفع باب المنزل المفتوح على مصراعيه ليدلف مقدم الحملة اولا ثم خلفه عدد من الرجال الأشداء يرافقهم غازي والذي دلهم على طريق الغرفة المقصودة من وصف رجله الذي اتقطع به الاتصال منذ دقائق حتى شعر بانقباض قلبه في القلق عليه
يخشى ان يكون قد تهور بفعل من نفسه رغم التحذير والتشديد من جانبه الا يفعل شيء من دون مشورته
شكلهم هربوا يا باشا مفيش اي صوت في البيت
قالها احد رجال الأمن قبل ان ېصرخ الاخر
يا نهار اسود دا في واحد هنا باين دماغه مفتوحة ومغمى عليه
اندفع غازي مع الرجال نحو الجهة التي جاء منها الصوت وكانت المفاجأة حينما رأه كالچثة امامه مستلقي لبقع على ركبتيه جواره ېصرخ عليه بجزع
بسيوني ايه اللي حصلك يا بسيوني
لم يكد ينهيها
حتى صدر صوت إجش من جهة قريبة
دا في قتيل تاني هنا كمان!
ينبع
الفصل التاسع ج
بخطواته السريعة كان يخترق الرواق الطويل ثم يصعد الدرجات الرخامية للسلم اللولبي على اقدامه فلم يأتيه صبر لانتظار المصعد الكهربائي
واصل ركضه حتى وصل الى القسم المقصود وقعت ابصاره عليها قبل الجميع منزوية بأحد الاركان وكأنها طفلة ضائعة تنتظر والدها ان يعثر عليها رغم امتلاء الردهة بعدد الأفراد من البلدة ومؤازرة شقيقة غازي لها وهي واقفة الان جوارها إلا انها كانت وحيدة
هي وحيدة دون شقيقها وحيدة دون معلمها وحيدة وسط الجميع كم يؤلمه الأمر هو يراها هكذا ولا يملك المقدرة على احتوئها ان يراها ضعيفة وردته البرية الجميلة
تحمحم يجلي حلقه ليملك زمام امره متوجها نحو غاازي اولا وقد كان هو الاقرب اليه حيث كان جالسا على احد مقاعد الانتظار وبجواره عدد من الاشخاص لا يعلمهم من أهل البلدة
ايه الاخبار
كان هذا هو السؤال الاول منه فور ان صافحه على عجالة يتخذ مقعده بجواره فجاء رد الاخر بقنوط زافرا دفعة كبيرة من الهواء من انفه
لا جديد الدكتور بيقول كله بأمر ربنا وشكلها كدة مطولة والله اعلم بجى ان كان فيها نجاة ولا
ولا ايه لا طبعا فيها نجاة
قالها بلهفة يتابع بأمل
المستشفى دي من احسن المستشفيات في الجمهورية والمنطقة كلها انا بحثت عنها رغم ان سامع من زمان عن سمعتها كل التقارير عنها بتأكد كلامي وانت ربنا يجازيك خير مستنتش عليه وجيبته فورا ع القاهرة في طيارة خاصة ومجهزة
ويعني كنت لحجته
قالها بما يشبه السخرية بمرارة ضاربا بكف يده على عصاه يسند رأسه المتعب عليه وقد بلغ منه الاجهاد مبلغه بعد قضاءه
ثلاث ليال في المشفى في انتظار ولو بشرى صغيرة تريح قلبه عن رجله الاول والاخير بسيوني
عقب يوسف على قوله بانفعال
يا غازي بلاش يأس وانا شايف اننا لحد دلوقتي ماشين صح انت متأخرتش عنه وكله بإيد ربنا لا تقنطوا من رحمة الله
ونعم بالله
تمتم بها غازي ممسكا بطرفي اصبعه أعلى انفه في تعبيرا لا ارادي عن الأرهاق الشديد الذي كان يعصف به في هذه اللحظة
ربت يوسف بكف يده على ركبة الاخر يحادثه
قوم يا غازي ريح نفسك شوية واحلق دقنك مش كدة يا حبيبي كفاية علينا واحد مش ناقصنا انت كمان توقع
اومأ له بكف يده بحركة يفعلها كي يوقف اي حديث معه في هذا الشأن رأسه اليابس لا يقبل النصح ولا الأرشاد في شيء يراه لابد من فعله
حينما يأس منه يوسف تركه ليتقدم بخطوات مترددة نحوها يحافظ بصعوبة على رزانة القول في مخاطبتها بعدما القى التحية عليها وعلى روح الواقفة بجوارها
عاملة ايه النهاردة يا وردة يا رب تكوني احسن من امبارح
اومأت بهز رأسها يخرج صوتها بصعوبة
الحمد لله الحمد لله كل اللي يجيبه ربنا كويس هو أكيد هيجوم ومش هيسبني هو عمره ما سابني أصلا انا متأكدة منها دي
قالت الاخيرة بصوت بح من فرط التأثر حتى جعل الأخرى لتزيد من ضمھا اليها تقبل رأسها بدعم امام قلب يتلوى بلوعة الحزن عليها لا يملك الحيلة في التخفيف عنها والتهوين
انتبه لتصلبها المفاجئ وراسها الذي ارتفع بنظرة متجهمة مسلطة على أحد ما من خلفه حتى جعلته ينظر هو الاخر في نفس الإتجاه نحو احد الرجال يبدوا انه من أهل البلدة من ملابسه والعمامة التي تعلوا رأسه ظن انه ربما يكون قريب لها قبل ان يصدم بما وصل الى اسماعه بعد ذلك
ودا ايه اللي جابه ده تو
ما افتكر!
معلش يا ورد يمكن سمع متأخر
والله
هو مين يا جماعة اللي سمع متأخر
كان هذا سؤاله الموجه لهما فجاء الرد من روح
دا ابوها والد بسيوني وورد
نعم! ابوها!
قالها بعدم تصديق يتابع بعفوية لم يقصدها
انا كنت فاكر انهم يعنى
يتمى وملهمش غير بعض انت مكدبتش احنا فعلا ملناش غير بعض
قالتها ورد ليلتف اليها مصعوقا لوقع الجملة التي خرجت منها لا يستوعب صحتها
توقف بسيارته في ساحة واسعة قريبة الى حد ما
ليترجل منها يغلق بابها بإحكام امام النظرات الفضولية من المارة يسير بتخايل حاملا على يده علبة مغلفة للحلوى يعلم انها سوف تثير الأنبهار لدى هذه الصغيرة عله يستعيد لهفتها القديمة نحوه قبل زواجه بها لتنعش داخله هذا الاحساس الذي افتقده منها في ألفترة الأخيرة لقد فترت لهفتها لدرجة تجعلها
تردف بالحجج من أجل أن تطيل من فترة بقاءها عند اسرتها بذاك المنزل الطيني الذي اصبح امامه الان بعدما دخل الشارع الضيق الذي كان يوجد بها منزل شقيقته قبل ان تتركه وتسكن في شقة جديدة قام ببناءها زوجها بفضل عمله معه
تأفف بازدراء وهو يتجنب بخطواته بركة مياه فعلتها احدى النساء بغسيل فراش المنزل في الشارع والتي انتبهت لتخاطبه بما يشبه الاعتذار
معلش يا بيه ما انت عارف بجى الشتا وعمايله لازم عنينا تطلع في كل مرة نغسل فيها على ما تنشف الارض
اومأ لها بملامح ممتعضة ليكمل السير نحو المنزل الذي وصله اخيرا ليطرق على الخشب مغمغما بقرف
لا والهانم عاجبها الحال في القرف دا وعايزة تطول الجعدة ومش مكفيها اسبوع!
فتحت
له احدى شقيقاتها الصغار مهللة
عمو عمر اختي هدير جاعدة عندينا
امال انا عارفها جاعدة عند مين
تمتم بها ضاحكا يحمل الصغيرة ويقبلها قبل ان يسألها
امك ولا وابوك ولا هدير فين جاعدين
اجابته الطفلة بلهفة
امي جاعدة جوا في الحوش بتنضف الشرشارة وابويا راح شغله في المصنع وهدير جاعدة في اوضتها مع اصحابها هند وزينب
تبسم لعفوية الصغيرة فقام بتقبيلها مرة أخرى قبل ان ينزلها امرا
طب ياللا بجى روحي اندهي امك وخدي العلبة دي معاكي
شهقت بفرحة للتناول العلبة وتطير بها نحو والدتها فتبعها بنظراته ضاحكا قبل ان يتقدم بخطواته داخل المنزل وما هم ان يجلس على احد الارائك حتى وصله صوت الضحكات العالية لزوجته العزيزة ومعها الفتيات صديقاتها
كانت القهقات عالية لدرجة جعلته يقترب بفضول ليعرف سر المرح الذي ينتابها هنا عكس ما يراه
منها في منزله
شوفتي كان هيجن عليكي ازاي لما عديتي امبارح جدامه
خدت بالي يا حبيبتي دا حتى ساب الجعدة مع أصحابه وجه دخل ورايا وانا بسلم على خالتي جال بطلتي ليه ما تاجي بيتنا يا بت خالتي
انطلقت ضحكات صاخبة ثم تبعها صوت للفتاة الاخرى
يا عيني عليه صعبان عليا جوي بصراحة بجى هو اللي كان مناسب لك يا هدير كدك في السن و
قطعت الفتاة لتنتفض واقفة مع صديقتها هي الأخرى حينما باغتهم بدفع الباب يطل بجسده الضخم عليهن بعدما فاض به ولم تعد به طاقة على التحمل
مساء الخير
قالها ببرود يناقض تماما فعله الأرعن بعدم تقدير لخصوصية الفتاتان داخل الغرفة والاتي لاح الضيق على وجههما قبل ان يجيبنه على عجالة ثم يستأذن في الذهاب
اهلا مساء النور عن اذنك طب يا هدير
استنوا يا بنات
لا معلش مرة تانية نبجى نجيلك
انسحبنا ليخرجن من جواره بهدوء امام صډمتها
والتي عبرت عنها فور اطمأنانها بمغادرتهن من المنزل
مش كنت تستأذن ولا تخبط الباب جبل ما تدخل
افندم ناوية تعلميني اداب الدخول يا ست هدير
قالها واقدامه تقترب منها بهدوء خطړ ف استطردت هي بعفويتها غير منتبهة
انا بتكلم على حرمة البنات معايا في الأوضة المجفولة علينا يعني مثلا هند كانت جاعدة بشعرها شدت التحجيبة بسرعة لما دخلت وهند كانت متكية على جنبها انتفضت منبوطة اول ما شافتك
رد ببساطة
يستاهلوا عشان يحرموا ياخدوا راحتهم في بيوت الناس دا غير ان انا راجل مأدب عمري ما هبص لحريم غيري وافرحهم بكلامي ليهم
صمتت تطالعه بازبهلال وتوجس لقوله حتى فاجئها بالقبض على ذراعها يهدر بصوت خفيض يخيفها بأعين تشتعل من الچحيم
مين في عيال خالتك اللي كان هيتجن عليكي يا بت ولقاء الأحبة كان اخره ايه بالظبط في بيت خالتك
اااه
خرجت منها پألم شديد بفضل ازدياد ضغطه على عظام ساعدها لترد بدفاعية
والله كان اخره سلام وانا مشيت على طول مجعدتش واد خالتي معتبرني زي اخته من ساعة ما اتجوزت
زاد بضغطه ليقارعها بعدم تصديق
وعايزانى اصدق! بجالك سبوع بتلفي على كيفك وانا مديكي الامان واتاريكي ماشية على كيفك اخلصي لما هدومك وجهزي نفسك مش عايز امك تحس بحاجة بدل ما اجلبها هي كمان عليكي والموضوع يكبر
قال الأخيرة ودفعها عنه سريعا بعدما شعر باقتراب قدوم المرأة والتي دلفت اليه بعد ذلك ترحب به
يا مساء الهنا عمر بيه منور عندينا
وكأنه شخص اخر تحولت ملامحه لمصافحة المرأة والحديث معها بتباسط يصرفها بمكر عن الانتباه لابنتها الجالسة فوق التخت تمسك على ذراعها المټألم والدموع تغشى مقلتيها
جالسا بجواره وعينيه لم يرفعها بعد عنها في متابعة لكل همسة منها ونظرات غاضبة توجهها نحو هذا الرجل المدعو اباها
ابوها ازاي يعني ولما هو ابوها ازاي هما ساكنين لوحدهم ايه حكاية الراجل ده مع ورود وبسيوني
توجه بالاسئلة نحو غازي المجاور له والذي اجاب ليرضي فضوله
ابوها اللي مخلفها يا يوسف بس الحكاية انه طلق والدتها من زمان من ساعة ما جابلها ضرة والمرة مردتش ولدها الله يقومه بالسلامة وجف جصاده وهو شاب معداش السبع تاشر سنة خد امه واخته يشتغل ويصرف عليهم الست كان حظها جليل ماټت بلدغة عقرب فضلت البت الصغيرة مع اخوها اللي مجبلش يرجع لابوه بيها ورباها هو لوحده والراجل فضل على حاله بعيد عنهم
اااه
تمتم بها يوميء بهز رأسه ليردف باستدراك
عشان كدة هي كانت بتقول على نفسها يتيمة من غير اخوها ربنا يقومه بالسلامة يارب الاب اللي ما يربيش ولا يعطي حنانه ورعايته لولاده ميبقاش اب ولا يستاهل اللقب من اساسه
وافقه غازي الرأي مكتفيا بالصمت لتظل جلستهما على هذا المنوال حتى انتبها لدلوف عارف عائدا من الخارج متجها صوب زوجته
في المنزل الذي اكتسى بالسواد كان الصړاخ من المرأة المكلومة يشق الضباب بقوته لا أحد قادر على ايقافها او اسكاتها رغم مرور ايام على الحاډثة حړقة قلب ام فقدت عزيزها فلا يعرف بحړقة النيران سوى
متابعة القراءة