رواية ظنها دمية بين أصابعه (الجزء الرابع من الفصول) بقلم الكاتبة سهام صادق
يتوقع ردودها ابتسم والتقط المغلف الأخر قائلا
_ مش عيب تفكري تشتري عفش شقتك من مكان تاني ولا أنت مش عايزة تنفعيني يا ليلى.
ابتلعت ريقها وهي ترفع عيناها نحوه.
_ العفش عندك سعره غالي وأنا مش هقدر على الأسعار هنا.
اتسعت ابتسامته عقب حديثها ثم أخفاها سريعا وقال بتلاعب.
_ متقلقيش مش كل الأوض عندي أسعارها واحده.
_ الفترة دي السوق محتاج التركيز على كل فئات المجتمع ده غير من حظك إننا الأيام دي عاملين تخفيضات عشان نسهل على الناس.
كادت أن تتحدث ليواصل كلامه قائلا
_ شكلك مش عايزة تنفعي المعرض يا ليلى.
صمت لثواني وبمزاح أردف.
_ لأ أنسي دلوقتي إنك هتكوني بعد أيام مرات صاحب المعرض أنت دلوقتي زبونه وأنا تاجر شاطر.
_ أنا مش معايا غير فلوس العفش اللي اتباع ومستنيه الوديعة تتفك بعد شهرين عشان اعرف أفرشها.
لم يركز عزيز انتباهه إلا على كلمة واحدة اخترقت أذنيه ليهتف بقوة.
_ وطبعا عايزة تأجلي الفرح لشهرين لحد ما الوديعة تتفك.
حركت رأسها له لعله يفهمها ليزفر أنفاسه دفعة واحدة.
_ تمام قومي اختاري العفش اللي أنت عايزاه وبعدين نتكلم في ميعاد الفرح.
نهضت من مكانها بعدما تركت كوب العصير على الطاولة الصغيرة التي أمامها.
_ أنا بقول نأجل اختيار العفش ليوم تاني واخد الورق المهم عشان متأخرش على استاذ رفعت.
تفقده صوابه بما تفعل ولولا معرفته أنها تتهرب خوفا وقلقا من دخول حياته كزوجة فهو ليس بغافل عن السبب وطباعها.
طالعته بحيره ثم حسمت أمرها.
_ هدفع جزء وأسدد الباقي ليك بعد شهرين تمام.
ابتسم بخبث وهو يتحرك أمامها حتى ينادي على أحد العاملين لديه.
_ قولت أنت دلوقتي زبونة وأنا تاجر يا ليلى والتاجر الشاطر مبيعرفش المجاملات.
تحركت ورائه بحرج وقد زال توترها وخجلها بعدما اندمجت مع العامل الذي أخذ يخبرها عن الغرف وجودتها وأسعارها. كانت أعين عزيز تراقبها رغم وقوفه على بعد منها وتظاهره بالحديث مع أحد العاملين... فهو يريدها تختار ما تشاء.
وجدت زوجة عمها أمامها عندما دلفت من باب المسكن فابتسمت لها عايدة.
_ حمدلله على السلامة.
ردت ليلى وهي تزيل عن قدميها حذائها وتلتقط خفها المنزلي.
_ الله يسلمك طمنيني على شهد هي كويسة دلوقتي.
_ إن شاء الله هنفرح بنجاحها والبيت هيفضل مليان فرح.
ابتهجت ملامح عايدة وتذكرت ما حدث اليوم وما عرفته من مكالمة السيد عزيز لزوجها.
_ طبعا يا عروستنا الحلوة.
خجلت ليلى من قول زوجة عمها فاجتذبتها عايدة لأحضانها.
_ مبروك يا لولو أنا بقولها ليكي دلوقتي وأنا مبسوطه أوي.
_ عايدة هي ليلى جات
ارتفع صوت عزيز بتساؤل فابتعدت عايدة عنها لتحرك يديها على خديها.
_ هو عمو عايزني في حاجة
التمعت عينين عايدة بسعادة واجتذبت يدها قائلة
_ تعالي نروحله وهتعرفي.
مشاعر عدة ارتسمت على ملامح وجهها وهي تستمع لما يخبرها به عمها.
_ بكرة يا بنتي هتروحي مع نيرة هانم تجيبي فستان الخطوبة وشبكتك وزي ما أنت عايزه هيحصل.. الخطوبة هتم في شقتك و عزيز بيه هيجي يتقدم ليكي فيها.
ابتسمت عايدة ليواصل عزيز كلامه.
_ هو طلب مني كمان إننا نكتب كتب الكتاب بعد ما تلبسي شبكتك.
طالعته ليلى وقالت بتردد بعدما تأكدت أنه لم يصرف نظرا عن أمر عقد القران.
_ هو إحنا ممكن نخلي كتب الكتاب مع الفرح.
تلاقت أعين عمها و عايدة معا ليومئ عزيز برأسه قائلا
_ أنا قولت ل عزيز بيه كده بس بصراحه بعد ما فهمت وجهة نظره اقتنعت بكتب الكتاب.
_ ليلى قولي لينا من غير خجل وتردد أنت مش عايزه عزيز بيه واوعي تخافي من حاجة.
قالتها عايدة بعدما جاورت عزيز زوجها بالجلوس ثم واصلت كلامها.
_ تأكدي إن عمرنا ما هنجبرك على حاجة ومتقلقيش من عزيز بيه عمره ما هيخلط شغلنا في الڤيلا هنا برفضك الجواز منه.
حاولت الكلام لكن خجلها منعها من إخبارهم بتلك المشاعر المبعثرة التي صارت تحتل عقلها وقلبها.
صمتها وتخضب وجنتيها بحمرة الخجل جعل عزيز و عايدة يتفهموا سبب ربكتها.
_ اطمني يا ليلى..عزيز بيه راجل جدع وشهم.
وهل هي كانت تحتاج لأن تسمع هذا الكلام من عمها فلم تسقط في عشق هذا الرجل إلا بسبب خصاله الحميدة.
....
خرجت زينب من مركز اللغات بملامح مسترخية.
كانت السعادة تحتل وجهها بالكامل بعدما أجادت الشرح أمام مالك المعهد حتى يقرر القرار الأخير في أمر انضمامها إلى صفوف المدربين لديهم.
توقفت للحظات تأخذ نفسا عميقا وتستنشق الهواء الذي تراه مختلفا اليوم رغم أن الجو كان كالمعتاد.
دست يدها في حقيبتها حتى تلتقط هاتفها وتزيل عنه خاصية الصامت وتهاتف جدها ثم سما.
مكالمات عدة واردة كانت مسجلة على هاتفها وقد أصابتها الدهشة من رؤية اسمه يحتل أكثر عددا من المكالمات الواردة.
كادت أن تختار اسم جدها أولا حتى تخبره بما فعلت لكن وجدت شاشة هاتفها تضاء برقمه.
كان صالح يتحرك نحو سيارته حتى يستقلها ليجد المكالمة قد تم فتحها وأتاه صوتها أخيرا.
_ زينب.
نطق اسمها بلهفة فتساءلت بقلق.
_ فيه حاجة حصلت اصل اول ما شوفت التليفون لقيت مكالمات كتير منك.
ظنت أن هناك أمرا قد حدث فهي لم تتوقع كل تلك المكالمات منه.
تنهد صالح بعدما جلس خلف عجلة القيادة وبدأ في تشغيل سيارته.
_ مفيش حاجة حصلت متقلقيش.
زفرت أنفاسها براحة ثم أشارت نحو إحدى سيارات الأجرة.
_ أنا رايحة الڤيلا اجيب يزيد.
أسرع بالرد عليها وهو ينطلق بسيارته.
_ لأ أنا هروح اجيبه وكنت بتصل بيكي عشان اشوفك هتخلصي أمتي وكنت يعني..
عادت الكلمات تتوقف على طرف لسانه حتى يستطيع صياغتها بحرص لكن الكلام كان يخرج منه غير مرتبا.
ضمت حاجبيها في غرابة وقطعت كلامه.
_ أنا لسا مخلصه وكنت هروح اجيب يزيد.
_ إيه رأيك نخرج نتعشا بره إحتفالا يعني بشغلك.
قالها أخيرا قال الشئ الذي تدرب عليه طيلة النهار وقام بحجز طاولة لهم.
_ لو عايز تروح أنت و يزيد تمام أنا هاكل أي حاجة سريعة في البيت عشان عندي حاجات مهمه عايزه اعملها.
أصابه رفضها بالضيق لكن فور أن اتضح له الأمر تلاشى ضيقه وتفهم.
_ عندي بكره أول سيشن ولازم استعد ليه كويس.
خرج الكلام منها بتلقائية فهي الآن لا تفكر في شئ إلا أن تكون ناجحة وأن تخرج من تلك الشرنقة التي فرضتها الحياة عليها.
_ خلاص مش مشكلة هلغي الحجز...
كادت أن تنهي المكالمة لكن صوته جعلها تغلق جفنيها بقوة.
_ مبروك على قبولك في الشغل يا زينب.
انتهت المكالمة التي شتتها للحظة وأعادت إلى قلبها حلم أسرع برفضه وكأنه صار يرهب أي مشاعر تقوده لۏجع لم يندمل بعد.
تنهد صالح وهو يستكمل قيادته بتركيز فعليه إعادة ما أضاعه بالصبر.
ذهب إلى الڤيلا وفور أن فتحت له الخادمة الباب استمع لحديث جده مع والدته.
_ يعني إيه اتقبلت في شغل لا وكمان في حتت معهد ملهوش اسم.
_ عمي زينب فرحانة فأرجوك بلاش نتدخل وما دام هي و صالح متقفين خلاص.
بإستنكار أجاب عليها شاكر.
_ ابنك عمره ما اهتم باسم العيلة انا ليا كلام مع نائل إزاي يقبل بالسخافة دي وكأنها محتاجة الملاليم اللي هتاخدها.
وقف صالح كالمتفرج يتابع حوارهم ثم اقترب منهما قائلا وقد انتبهوا على وجوده.
_ تفتكر مراتي عايز تشتغل عشان الفلوس.. ولا أنت فاكر إن الفلوس من حساباتها أساسا.
احتدت نظرات شاكر فهكذا هو دوما لا يعترض إلا على قرارته.
_ بعيدا عن اسلوبك الغير محترم يا ابن صفوان أنا رافض شغلها... وعندها المدرسه اللي فيها يزيد لتقبل تشتغل فيها او تقعد في البيت هانم لكن تعر اسمنا أنا مش هسمح.
_ أنت مين بالنسبة ليها عشان تسمح ولا متسمحش.
قالها صالح بنبرة حادة جعلت حورية تضع بيدها على شفتيها بعدما انفلت صوت شهقتها.
_ أنا جدك واي قرار يخص العيلة لازم ترجعولي فيه.
_ صالح أرجوك اهدى وخد يزيد وامشي وانا وعمي هنتكلم وهو هيتفهم شغل زينب.
احتقنت ملامح شاكر وأطرق بعصاه الأرض قائلا
_ شغلها الأساسي تربية يزيد وتجيبلنا الوريث... ولا أنت نسيت مهمتك من الجوازة دي يا ابن صفوان.
وهل ينسى أغبى قرار وافق عليه جده تلاعب به في أمر علاج يزيد وبالنهاية وما اكتشفة مؤخرا أنه كان متواطئ مع الطبيب.
_ الهدف من ورا أي حاجة بتعملها ده بتاعك أنت يا شاكر باشا وياريت تنسى الحفيد اللي أنت حاطط أمل عليه لأن يوم ما هخلف أنا و زينب مش هنكون بنبص على أهدافك العائلية.
بإبتسامة أجاد رسمها واصل كلامه تحت نظرات والدته المندهشة.
_ لو اتدخلت في موضوع شغلها واستخدمت نفوذك انسى وجودي و وجود يزيد هنا تاني كفاية اوي لحد كده.
تجمدت ملامح شاكر وأطرق عصاه بقوة.
_ بتمسكني من ايدي اللي بتوجعني يا ابن صفوان بس اعمل حسابك لو بعد شهر معرفتش إنها حامل هكشف المستور.
خرجت شهقة حورية هذه المرة بقوة وقد صدمها قول حماها.
بنظرة ساخرة رمقه صالح وصاح بعلو صوته مناديا على السيدة نعمات.
_ دادة نعمات جهزي يزيد من فضلك.
...
وضعت زينب حاسوبها الشخصي على الطاولة الموجودة في غرفة الجلوس بعدما التقطت إحدى الوسائد ووضعتها على الأرض. مررت يدها على خصلات شعرها تفكر فيما ستبدأ به الآن حتى تتجهز لمحاضرة غد.
_ أنا أعمل ليا كام سندوتش الأول وكوباية كابتشينو وكده اكون رضيت معدتي ودماغي.
ابتسمت على ما قالته ثم أسرعت نحو المطبخ لتجهز ما أرادته.
عادت إلى مكان جلوسها ووضعت الطبق والكوب جانبا ثم أشعلت حاسوبها لتبدأ مهمتها في تحضير درس غد وقد أعطاها المعهد ما تحتاجه على ذاكرة التخزين.
اندمجت في عملها ولم تشعر بمجيئه إلا عندما ارتفع صوته.
_ مساء الخير.
تمتم بها صالح ثم تحرك بالصغير الذي كان يحمله لأنه غفى أثناء عودتهما.
وضع صالح صغيره على الفراش وجلس جواره بعض الوقت وقد تعجبت زينب من عدم مغادرته للغرفة رغم مرور ثلاثون دقيقة.
فتح عينيه بعدما استطاع نفض ذلك الشعور الذي احتل رأسه بعد ټهديد جده له.
خرج من الغرفة واتجه بصمت نحو غرفته ليستبدل ملابسه.
هزت رأسها حتى تطرد إنشغال عقلها به وعادت لتنشغل بعملها مقررة داخل نفسها بعدما تنهي تحضير المحاضرة ستذهب لغرفة يزيد وتطمئن عليه قبل غفيانها.
ضاقت حدقتاها وهي تراه ينحني نحو الطاولة ويلتقط من عليها الطبق والكوب الفارغين وقبل أن تتساءل كان يتحرك من
أمامها ثم عاد بطبق طعام آخر به بضعة شطائر وكأس عصير.
_ إيه ده
تساءلت وعلى وجهها ارتسم الإندهاش فابتسم قائلا
_ سندونشات وعصير عشان تركزي.
كادت أن تخبره أنها أكلت لكنه واصل كلامه حتى لا يسمع أي رفض منها.
_ أنا عملت لنفسي كمان يلا ركزي في التحضير.
لم تجد حديث تعترض به وقد تقبلت منه ما قدمه لها لكن سرعان ما أصابتها الدهشة وهي تراه يجلس على مقربة منها.
شعر بنظراتها التي تخترقه فرفع عيناه عن الجهاز اللوحي خاصته.
_ تسمحيلي إني اشاركك المكان.
ارتفع كلا حاجبيها في ذهول سرعان ما تلاشى وتنهدت قائلة
_ ده بيتك أنت وأنا اللي بشاركك فيه.
ابتسم ومال قليلا للإمام بعدما ترك فنجان قهوته جانبا.
_ ده بيتك أنت يا زينب وبالأصح بيتنا إحنا الاتنين كزوج و زوجة.
حدجته بنظرة طويلة ثم أشاحت عيناها عنه فهي ليست بمزاج يسمح لها اليوم بالرد على حديثه الذي تستنكره ومجادلته.
التقطت بحنق شطيره وقضمتها بغل ظهر على محياها فهل يظن أنه بإهتمامه سيجعلها تنسى ما فعله بها.
أخفى صالح ابتسامته سريعا فلم تخفي عنه تلك النظرة...إنها نظرة طفلة غاضبة وبداخله كان يتمتم
صبرا يا صالح.
عادت لتركز إهتمامها على تحضير المحاضرة والإستماع إلى المحادثات الفرنسية وهو جلس ېختلس النظر من حين إلى أخر لها. لم يكن عقله مع ما يطالعه على جهازه اللوحي بل كان معها وحدها.
أسدل جفنيه بإسترخاء واعتدل في جلوسه وترك لعينيه حرية التأمل بها بعدما لم تعد ترفع عيناها نحوه وانشغلت بمهامها. ارتشفت أخر رشفة من العصير وقد شعرت بالخجل لأنها تقبلت ما قدمه لها. بطرف عينها طالعته ثم أشاحتها عنه بعدما وجدته لا ينظر إليها.
شقت شفتيه ابتسامة واسعة بعدما التقطت عيناه فعلتها.
تثاءبت وأخدت تفتح عينيها بصعوبة لكنها واصلت سماع تلك المحادثة واستمرت بالتدوين في كشكولها ورغما عنها بعد وقت كانت تزيل كشكولها جانبا وتضع رأسها على ذراعيها وتسقط في النوم.
أغمض صالح عينيه لوهلة بعدما رأي فعلتها التي خفق معها قلبه ثم ترك اللوح الإلكتروني خاصته وأخذ يتأملها.
ابتلع لعابه ثم نهض واقترب منها يناديها بصوت خاڤت.
_ زينب اصحي نامي جوه.
لم تستجيب لندائه ودفنت رأسها أكثر بين ذراعيها.
تنهيدة طويلة خرجت من شفتيه ثم انحنى صوبها ليرفع خصلات شعرها المنسدلة على جبينها.
_ زينب.
ردد اسمها بخفوت أكثر مرة أخرى فلم يجد أمامه إلا حملها.
بتردد مدى ذراعيه نحوها ثم حملها برفق واتجه بها إلى غرفتها.
دلف إلى غرفته وهو لا يصدق أنه كان على وشك تقبيلها وهي غافية.
....
تساءل نائل عن مصدر الصوت الذي يحدث بالخارج بعدما أعطاه منصور الذي يرافقه ويهتم بشئونه كأس الماء.
_ هو في إيه يا منصور وإيه الصوت ده.
_ شكل في ناس هتسكن في الشقة اللي قصادنا يا سيادة اللواء.
ارتشف نائل القليل من كأس الماء وهذا رأسه قائلا
_ غريبة صاحبها بعد سنتين من قفلها قرر يسكن فيها.
ظنها_دمية_بين_أصابعه
سهام_صادق
يتبع