رواية ظنها دمية بين أصابعه (الجزء الثالث من الفصول) بقلم الكاتبة سهام صادق
المحتويات
تطلعي حطي التليفون على الشاحن عشان اكلمك وأفضل معاك على الخط.
اماءت برأسها وفتحت الباب لكن هذه المرة كان وقع الكلام على قلبها كمن يعطيه جرعة مخدرة.
_ أنا معاك مټخافيش.
غادرت السيارة بعدما وجدت أن الفرار من أمامه هو الحل الأمثل.
دخلت الشقة وسرعان ما وقعت عيناها على الارضية الملطخة بدماء عمها.
فور أن وضعت الهاتف على الشاحن وجدت صوت رنينه يعلو.
نظرت إلى الرقم وقد ارتفعت دقات قلبها لتفتح المكالمة على الفور وبصوت خاڤت أقرب إلى الهمس خرج صوتها الناعم.
_ أنا وصلت وقفلت باب الشقة كويس.
ابتسم عزيز وارجع رأسه للوراء مستندا على المقعد الأمامي لسيارته.
ثم أردف موكدا على ما أمرها به قبل خروجها من السيارة.
_ ولازم تاكلي مفهوم.
_ بس أنا ماليش نفس.
خرجت نبرة صوته بلطف.
_ ليلى اسمعي الكلام أنا مش مستعد أعيش نفس الموقف تاني وأنت بتقعي قدامي.
خفق قلبها بقوة لتغمض عينيها لوهلة.
_ حاضر هسمع الكلام.
_ شهد بتتصل أنا مش عارفه اكذب اكتر من كده.
عاد الحزن يسيطر على ملامحها ليهتف قائلا حتى تهدء.
_ قوليلهم تليفون عزيز وقع وعايز يتصلح وإن دلوقتي هو نايم.. وبكره إن شاء الله هنلاقي حل... هقفل وهرجع اكلمك تاني تمام.
لم تغفو إلا ساعة واحده وقد تركت الخط مفتوح كما أخبرها.. أزاحت ستار نافذة شرفتها لتنظر نحو السيارة القابعه بالأسفل.
تنهدت وهي تشعر بالذنب على ما حدث بسببها... عمها بالمشفي وهو يجلس بالأسفل داخل السيارة.
بالصباح الباكر وفي تمام الساعه السابعه....
كانت تخرج من البناية وهي تحمل بعض الأغراض ملابس نظيفه لعمها وطعام وإناء حافظ للسوائل حيث وضعت به الشاي الذي تعلم بتفضيله له بالصباح.
تنهدت بضيق من تغافلها عن أمر الماء ليقترب منها متمتما.
_ صباح الخير.
كادت أن ترد على تحيته لكن خروج العم مجدي جعلها تبتلع أحرف الكلمات وصوبت نظرها إليه لمعرفتها بفضول هذا الرجل.
_ استاذة ليلى طمنيني على عمك... ده أنا قلقت جامد عليه... منه لله ابن حرام كان عايز يضيع الراجل.
نظرت له وهي تتذكر ما حدث بالأمس و ردت.
_ الحمدلله يا عم مجدي الدكتور طمنا عليه وقال الچرح مش خطېر.
حرك العم مجدي رأسه بإرتياح لما سمعه ثم ضاقت حدقتاه وهو يرى ذلك الغريب الذي كان منذ دقائق يبتاع منه بعض الأشياء.
_ أنت تعرفي البيه يا استاذه
سؤال العم مجدي كانت تنتظره منذ أن رأته يخرج من محل بقالته لكنها لا تعرف بماذا تخبره.
_ أنا و عزيز قرايب وكان عندي شغل في بورسعيد واول ما عرفت اللي حصل جيت على طول.
تفهم العم مجدي الأمر وابتسم.
_ والله أنت ابن حلال في حد لسا في الزمن ده بيسأل
عن قرايبه... ده الأخوات مبقوش يسألوا عن بعض.
استطاع عزيز أن ينهي الكلام مع هذا الرجل متعللا بضرورة ذهابهم إلى المشفى.
التقط منها الأشياء ليضعها بالمقعد الخلفي وصعد السيارة.
صمتها جعله يظن أنها تضايقت من جوابه على سؤال الرجل عن صلة قرابتهم لكن كان عليه أن يقول هذا حتى لا يجعلها عرضة لكلام و شكوك يعرفها.
_ أنت زعلتي لما قولت إننا قرايب مش مثلا مخطوبين.
قالها صراحة فعقدت لسانه قد انفكت منذ أن انفلت منه طرف الخيط.
أطرقت رأسها نحو يديها القابعين داخل حجرها..هي لا تفهم ولا تجد مبرر لذلك الشعور الذي اقتحمها فجأة بعد جوابه على العم مجدي..لقد جمل صورة صلة القرابة التي لا توجد من الأساس... عمها وعائلته مجرد عاملين لديه وهي أيضا.
_ليلى صدقيني أنا عملت كده عشانك..
قاطعته قبل أن يواصل كلامه ويوضح الصورة التي فهمتها.
_ أنا مش زعلانة... لو كنت قولت حاجة زي كده كان عم مجدي فضل يسأل اسئلة كتير إحنا في غنى عنها.
ابتسم عندما رأي احمرار وجهها من شدة إنفعالها.
_ كان ممكن يسأل عن الدبلة و ميعاد الفرح.
ارتبكت عندما قال هذا دون مراوغة وأشاحت عيناها عنه بخجل.
_ أنا راجل دوغري يا ليلى أنا عايز اتجوزك مجرد ما عزيز يخرج بالسلامة هطلب ايدك منه.
أخجلها كلامه الذي لم تتوقع أن تسمعه منه يوما ثم الټفت جهة المقعد الخلفي للسيارة قائلة بتعلثم
_ أنا حطيت الشاي في الترمس وعملت ليك سندوتشات أكيد جعان.
ابتسم عندما وجدها تتهرب من التطرق بأمر الزواج وتمتم ببحة رجولية خشنة.
_ أنا فعلا جعان وعطشان يا بنت الناس الطيبين.
...
شعرت نيرة بالحزن عندما علمت بما أصاب العم عزيز.
دلفت إلى المطبخ لتجد عايدة تقف بالمطبخ شاردة.
_ الجميل سرحان في إيه.
باغتتها نيرة بقبلة على خدها جعلت عايدة تبتسم وترفع يدها لتربت على وجنتها برفق.
_ الله يعزك يا ست البنات.
شمرت نيرة عن أكمام بلوزتها حتى تقوم بمساعدتها.
_ هتعملي إيه يا بنت.
ابتسمت نيرة والتقطت منها المقلاه.
_ هساعدك يا دودو عشان تعرفي إني بقيت ست بيت شاطره... انتوا من ساعة ما جيت و أنتوا مدلعني.
_ يا بنت ضحى زمانها جايه.
حاولت عايدة إلتقاط المقلاه منها مشيرة إلى قدوم الخادمة التي تساعدها.
_ على ما تيجي نكون حضرنا الفطار.
لم تجد عايدة أمامها إلا تركها تفعل ما تريد.
_ الراجل العجوز لسا تعبان.
ابتسمت عايدة وهي تخرج علبة الحليب من البراد.
_ شكله دور برد شديد وأنت عارفه سعيد بېخاف يعدي اللي حواليه فبيعزل نفسه بس الحمدلله صاحي النهارده احسن.
وضعت نيرة البيض بالمقلاه لترمق بطرف عينيها عايدة خلسة. فعمها في مكالمته لها هذا الصباح أخبرها برفض عزيز لمعرفتها بما أصابه.
...
انتقل عزيز لأحد الغرف الفندقية بالمشفى وقد طمئنهم الطبيب على حالته.
بلهفة تحركت ليلى إليه بعدما ابتعدت الممرضة عنه ليبتسم لها عزيز بوهن.
چثت على ركبتيها عند فراشه تمسد على كفه برفق.
_ أنا السبب في كل ده.
انسابت دموعها على خديها فمد عمها يده بضعف نحو خدها ليمسح دموعها.
_ امسحى دموعك لأنها غالية عندي يا بنت الغالي فداكي عمري...
طالعهم عزيز الذي وقف ينظر إليها بعشق صار ينبض بعينيه وقد تمنى لو كان يستطيع الإقتراب منها وضمھا إلى صدره.
_ أنا ساعتها اتمنيت لو كنت أنا بدالك.
انتفض قلب عزيز عندما سمع ما نطقته ليخرج صوت عزيز عمها.
_ اوعي تقولي كده خليني اكفر عن ذنبك اللي في رقبتي .
حاول عزيز إخراج صوته بعدما تقدم بضعة خطوات.
_ سلامتك يا عزيز الف سلامه عليك.
ابتسم عزيز ونظر له وهو لا يعرف كيف يوفي له حقه.
_ الله يسلمك يا عزيز بيه أنا مش عارف هسد جمايلك اللي في رقبتي إزاي.
تحركت عينين عزيز نحو ليلى التي هربت بعينيها بعيدا عنه من شدة خجلها.
_ مفيش جمايل بينا يا عزيز إحنا أهل.
_ الله يكرم اصلك الطيب يا عزيز بيه.
غادر عزيز الغرفة حتى يذهب إلى أحد الفنادق لحجز غرفة له ويقوم بتبديل ملابسه.
_ راجل ابن حلال.
قالها عزيز العم بعدما غادر رب عمله الرجل الخلوق لتومئ ليلى برأسها وتخبره بكل ما فعله معها.
_ مش عارف هقدر ارد جمايله دي إزاي.
تخضبت وجنتي ليلى ولم تجد إلا تجنب الحديث عنه حتى لا تفضحها عينيها عشقا.
_ اوعي تكوني قولتي ل عايدة حاجة أنا مش عايزها تقلق.
هزت رأسها بحزن على اختلاقها الكذب عليها.
_ اتصلت بيا الصبح وفضلت تحلفني إنك كويس وقالتلي لما يصحا خليه يكلمني..
بوهن مد عزيز يده.
_ هاتي تليفونك خليني أكملها... عايده مش هترتاح طول ما هي مش بتسمع صوتي.
قاوم عزيز ألم جرحه وتحدث إلى عايدة التي فور أن سمعت صوته سقطت دموعها وعاتبته قائلة
_ كده يا عزيز كده متكلمنيش من امبارح
وسرعان ما كانت تتساءل بقلق.
_ صوتك ماله وكأنك بتطلعه بالعافية أنت تعبان يا عزيز.
جاهد عزيز في جعل صوته طبيعيا ونظر إلى ليلى التي وقفت عند طرف الفراش.
_ عندي شوية سخونية بس دلوقتي أنا احسن...
عايدة الشبكة بتقطع وأنا مش سامع صوتك.
أنهى عزيز المكالمة بعدما شعر بعدم قدرته على التظاهر أنه بخير.
_ اقفلي تليفونك اغلب الوقت عشان نتحجج بالشبكة.
أغلقت ليلى الهاتف فهذا أفضل حل الآن.
بعد ثلاث ساعات أتى إلى المشفى و عندما دلف الغرفة وجد عزيز نائم و ليلى تستند على ذراع المقعد الجالسة عليه وغافية أيضا. شعر بالإشفاق عليها لرؤية التعب بادي على ملامحها.
برفق هتف اسمها حتى تستيقظ وتأتي معه إلى مركز الشرطة بعدما تم القبض على ذلك الشاب.
_ ليلى.
لم تسمعه إلا بعد ندائه الثالث لترفرف بأهدابها لثواني ثم فتحت عينيها لتستوعب مكان وجودها.
_ تعالي بره عايزك مش هعرف اتكلم عشان عزيز.
بصوت خاڤت تحدث ثم تحرك اتبعته بقلق..
_ فيه حاجة حصلت
قالتها بصوت مرهق فتنهد وهو ينظر إلى ملامح وجهها الشاحب.
_ لازم نروح قسم الشرطة قبضوا على الولد وابوه.
ارتجف جسدها عندما أتى بذكرهم ليخبرها بلهجة مطمئنة.
_ مټخافيش من حاجة طول أنا معاك تمام.
هزت رأسها له وتحركت معه بإذعان إلى مركز الشرطة.
عند دخولهم إلى مركز الشرطة ابتعد عنها عزيز قليلا حتى يستطيع التحدث مع ضابط الشرطة الذي على صلة به منذ أن كان يخدم بالقاهرة.
غفلت عيناه عليها للحظات وقد ارتفع صوت أحدهم فجأة مما جعل الأنظار تتجه إليه.
_ بقى ابني يضيع بسببك يا بنت الحړام.
أسرع لطفي نحوها الذي انفلت من يد أحد العساكر فانكمشت على حالها پخوف والتصقت بالجدار ورائها وهي ترى الشړ في عينين هذا الرجل الذي رفع يده عاليا ليصفعها.
...
ابتهجت ملامح السيدة حورية عندما سمعت صوت الدادة نعمات المرحب بقدوم يزيد و زينب.
أسرعت على الفور لإستقبالهم قائلة بسعادة
_ حبيب قلب تيتا هنا.
انحنت نحو الصغير لتحضنه ثم نظرت إلى زينب تضمها إليها بمحبة حقيقية.
_ كده يا زوزو بقالك كام يوم حرمانه من شوفتك.
بأدب ردت زينب وهي تتقدم معها نحو غرفة الجلوس.
_ مشغولين في نشاطات المدرسة ده غير سيشنات كورس الرسم.
ثم أردفت بندم لتقصيرها في حق جدها.
_ أنا حتى جدو مقصره معاه.
ابتسمت السيدة حورية وربتت على كتف كنتها الغالية.
_ الله يكون في عونك يا بنت والحمدلله اهو اجازة يزيد كلها اسبوعين وهتبدأ وهناخده معانا المزرعة يغير جو.
أتت الدادة نعمات بألعاب الصغير والتي انتقلت مهامها للقصر بعد زواج صالح.
_ تؤمريني بحاجة يا ست حورية.
نظرت كلا من حورية و زينب نحو الصغير الذي أسرع نحو ألعابه خاصة تلك الدومى القديمة
متابعة القراءة