رواية مهمة زواج(الجزء الثالث من الفصول) بقلم دعاء فؤاد
المحتويات
تذكرت حاميها و سندها في الحياة فهي الآن في أشد الاحتياج إليه و لكلماته المطمئنه و لحضنه الآمن الذي تلجأ اليه حين تضيق بها الضوائق...لتقول بنبرة طفولية أوشكت على البكاء
أنا عايزة أدهم... أنا عايزة أكلمه... أنا هقوله ييجي ياخدني من هنا...
ثم أخذت تدور حول نفسها و كأنها تبحث عن شيئ ما فاستنفرت عروق رقبته پغضب بالغ حين ذكرت ذلك المجهول بالنسبة له و لكنه حاول أن يتحلى بالهدوء ليسألها بجدية
بدور على تليفوني عشان أكلم أدهم..
جذبها من ذراعها و هي منحنية تبحث عن الهاتف لتعتدل أمامه ليصيح بها بعدم وعي منه
أدهم مين اللي عايزة تكلميه دا!.. يبقالك ايه!
نزعت ذراعها منه پغضب جامح لتصرخ بانفعال
متلمسنيش تاني... انت فاهم!.
أخذ نفسا عميقا يحاول به تهدئة نفسه ثم زفره على مهل ليقول بهدوء نوعا ما
ثم ما لبث أن تذكر شيئا ما و هي مازالت تبحث
و بعدين الحرامي سرج كل حاچة مخلاشي حاچة واصل.. حتى دهبات زميلتك سرجها... يعني لا حيلتك افلوسات و لا تلفونات و لا أيتها حاچة واصل.
اتسعت عيني ريم پصدمة لتقول بملامح مشدوهة
رد و هو يكظم غيظه بصعوبة
لو حافظة رقمه خودي تلفوني كلميه.
لا مش حافظاه... مسيفاه على الموبايل... مش حافظة أي ارقام خالص.
طاب خلاص اكده مفيش جدامك غير انك تاچي امعايا.. و مټخافيش.. هتباتي في المضيفة اللي چار الدوار يعني بعيد عن اللي بايتين في الدار.. و في غفر بيحرسوا المضيفة لما بيكون عندينا فيها ضيوف.. يعني انتي امعايا في أمان و محدش يجدر يدوسلك على طرف طول مانتي في حماية الكبير.
أخيرا راسك اللي كيف الحچر الصوان دي لانت.. دا انتي طلعتي واعرة جوي.
رمقته بنظرة متحدية
و الله لولا الظروف اللي زي الزفت دي و الدنيا اللي متقفلة في وشي دي ما كنت وافقت أبدا على كلامك.
معلهش.. ما يوجع الا الشاطر... بس... احم... ألا مين أدهم اللي عايزة تكلميه!
أدهم أخويا الكبير... مبعرفش أعمل أي حاجة بدون علمه.
قطب جبينه باستنكار
باه.. باينه واعر جوي و بتهابيه.
هزت رأسها بنفي
لا لا مش زي ما انت فاكر... بالعكس دا من حبي و احترامي ليه... أدهم دا مفيش أحن منه.
ربنا يباركلك فيه... بينا يلا ننزلو لحمد.
بقلم دعاء فؤاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الرابعة عشر
رواية مهمة زواج
بينما كانت ندى تجالس السيدة تيسير يتمازحان و يضحكان على مواقف من الطفولة حين كانت ندى طفلة صغيرة تعيش بينهم قبل اغتيال والدتها و انتقالها مع أبيها الى الولايات المتحدة تفاجئا بأدهم يخرج من غرفته ركضا مرتديا بنطال چينز أسود و قميص أسود ينتعل حذائه فركضت اليه ندى تسأله بقلق
أدهم انت بتجري كدا ليه!.. ايه اللي حصل و رايح فين!
أجابها باستعجال و هو يعقد رباط حذائه
لسة مكلم آسر دلوقتي بعد ما جاتلي رسالة انه تليفونه متاح.. و قالي ان خطيبته عملت حاډثة و في المستشفى بين الحيا و المۏت.
شهقت السيدة تيسير حين استمعت لذلك و أخذت تردد
لا حول و لا قوة الا بالله... حبيبي يا آسر... ربنا ينجيهاله يابني.. خلي بالك من نفسك يا أدهم و انت سايق عشان خاطري.. و ابقى طمنى يابني.
أومأ عدة مرات ثم فتح باب الشقة سريعا و هبط الدرج ركضا ثم استقل سيارته متجها الى مشفى الدكتور رؤف...
بعد حوالي نصف ساعة وصل أدهم الى طابق العناية المركزة ليلفت انتباهة تلك المشاجرة القائمة بين آسر و حماه في ركن ما بالطابق..
يا عمي قولتلك سيب ميريهان هنا و أنا هفضل جنبها مس هسيبها...
صاح بها آسر بانفعال بالغ و هو يلوح بيده و يبدو أن الشجار قائم منذ فترة و قد احتدم بينهما للغاية فمن ثم رد محمد بانفعال أشد
دول بناتي أنا.. و انت مالكش الحق تقرر عني.. أنا هاخد بناتي الاتنين و هسافر شئت أو أبيت.. و رأيك ميهمنيش و مش مستني اخد الاذن منك.
استنفرت عروق آسر پغضب جامح ليصيح بصوت حاد
أنا مش هسيبها.. انت عارف ان بينها و بين المۏت شعرة... ليه تبهدلها في السفر.. سيبها ټموت هنا قدام عيني.
أخذ محمد يلوح بيده موجها حديثه لوالد آسر
ما تلم ابنك يا سعيد... أنا حر في بناتي أنا الوحيد اللي هنا صاحب القرار... هو مالهوش أي صفة.. خطيبته خلاص ماټت... خوده بقى و امشو من هنا..
التمس سعيد العذر لمحمد و لم يعاتبه أو ينجرح من كلماته اللاذعة فجرحه غائر و يبدو من مظهره الغاضب أنه ېموت في اللحظة ألف مرة فأي شخص في مكانه لما تحمل ما يتحمله الآن...
بينما كان أدهم يتابع المشاجرة بذهول... فهل حقا ميريهان ماټت!
نفض رأسه سريعا ثم تدخل ليجذب آسر من ذراعه بعيدا عن حماه فلا الوقت ولا المكان مناسبان لتلك المهزلة..
آسر ميصحش تزعق قصاد حماك بالطريقة دي...
أوشك آسر على البكاء ليقول بمرارة
ميريهان خلاص مخها ماټ و كلها ساعات و القلب يقف و السر الالهي يطلع...ياخودها يعالجها برا ليه يا أدهم و العقل بيقول ان حالتها مالهاش علاج.
ربت أدهم على كتفه بمواساة و هو بالكاد يسيطر على حزنه الذي أثاره صديقه بداخله ليقول بجدية و هدوء في ذات الوقت
الله يكون في عونه يا آسر... محدش حاسس باللي هو فيه... سيبه يعمل اللي يريضيه طالما كدا هيكون مرتاح.. مش كفاية الابتلاء اللي هو فيه!
رد عليه بنبرة قاطعة
مش هقدر اسيبها...سفرها ألمانيا مالوش أي لازمة.. ليه عايز يبعدها عني الشوية اللي فاضلين في عمرها!!
أقبل عليهما سعيد والد آسر ليقول موضحا
اللي انت متعرفهوش يا أدهم ان مودة هي كمان حالتها خطېرة و محتاجة تدخل جراحي في اقرب وقت و محمد هيسفرها المانيا و هياخد ميري نفس المستشفى... أب و عايز بناته معاه أيا كانت حالتهم ايه.. مالناش أي حق اننا نعترض على قراره.
هز أدهم رأسه عدة مرات ثم تطلع لآسر بعتاب
لا يا آسر مالكش حق في وقفتك و اعتراضك.. الراجل في البلاء الشديد دا و انت عمال تقاوح معاه!... يا أخي سيبه يعمل اللي في مصلحة بناته.. دا بدل ما تقوله اللي تشوفه يا عمي انا معاك فيه!
أطرق رأسه بحزن و ضيق و هو يكاد يختنق من فرط الضغط سواء من أدهم أو من أبيه ليقول بأسى
محدش حاسس بيا...ميري واخدة روحي معاها.. مش هقدر أسيبها... مش قادر.
جذبه أدهم الى حضنه ليربت على ظهره يواسيه فأطلق آسر لعينيه العنان ليفرغ ما بقلبه من حزن.. أسى... انكسار.. علاوة على ذلك الخواء الذي خلفته تلك المسكينة في قلبه ليهتز جسده من شدة البكاء.
اصبر يا آسر... أومال ابوها يعمل ايه... هو دا عمرها.. محدش بياخد ساعة زيادة عن عمره اللي ربنا كاتبهوله... ان شاء الله يا حبيبي تقابلها في الجنة.
بدأ يهدأ رويدا رويدا إثر كلمات أدهم التي نزلت على قلبه كالماء البارد فاستخرج منديل من جيبه أعطاه له فأخذه آسر منه و أخذ يجفف عينيه و هو يردد بصوت متحشرج من أثر البكاء
إنا لله وإنا إليه راجعون...
ادخل ودعها و بص عليها للمرة الأخيرة قبل ما الاسعاف ياخدها.
أومأ بخضوع ثم ابتعد عن صديقه ليسير بلا روح الى العناية المركزة يستأذن الطبيب ليودعها الوداع الأخير في حين كان محمد ينهي اجراءات سفره بابنتيه.
صدح أذان الفجر في سماء القاهرة حين أقلعت الطائرة المجهزة بوحدة عناية مركزة متحركة تقل مودة و ميريهان و والدهما و الدكتور رؤف و معهما فريق طبي لاحتمالية حدوث أي أمر غير مرغوب فيه أثناء نقل المريضتين.
و بمجرد أن أقلعت الطائرة نزل آسر على ركبتيه على أرضية المطار و بكى و كأن روحه تصعد في السماء... لا يصدق أن هذا نهاية طريقة مع من استحوذت على قلبه و ملكته بلا منازع.
نزل أدهم الى مستواه ليحيط كتفيه بذراعه و تركه يفرغ ما بنابضه... فقد امتلئ القلب حتى فاض بالحزن.
بينما ندى لم تنم ليلتها قلقا على أدهم فقد أدت صلاة الفجر و قرأت وردها و ها هي الشمس قد أوشكت على الشروق و لم يعد بعد.
خرجت لتجلس في صالة الاستقبال المقابلة للباب حتى تراه حين يعود لعل قلبها يطمئن.
غفت على الأريكة دون أن تشعر و قد كانت لازالت بملابس الصلاة و في تلك الأثناء عاد أدهم و علامات الارهاق متجلية على ملامحه ليقابل ندى و هي غافية على الأريكة.
ندى.. ندى.
فتحت عينيها بصعوبة لتقول بصوت ناعس
أخيرا رجعت يا أدهم!
انتي ايه اللي منيمك هنا!
اعتدلت لتأخذ وضع الجلوس ثم أجابته بصوت متحشرج من أثر النوم
قلقت عليك لما اتأخرت... فصليت الفجر و قعدت أستناك هنا.
حانت منه ابتسامة باهتة ثم انحنى ليجذبها من يدها لتقف قبالته ثم قال
طاب ادخلي نامي بقى... انا قدامك اهو كويس.
هزت رأسها ثم سحبت يدها من يده و من ثم سارت باتجاه غرفتها و حين تبين له ذلك سار خلفها ليستوقفها بقبضة يده على يدها و هو يقول
انتي رايحة فين!
أجابته ببراءة
رايحة أنام في قوضتي..
أدارها لتقف في مواجهته ثم رفع يديه لمستوى رأسها ليقوم بفك حجابها و هو يقول
احنا مش اتفقنا اننا هننام في قوضة واحدة!.. و شعرك دا ميتغطاش قدامي!
أطرقت رأسها بخجل
انت مقولتش اننا هننام في قوضة واحدة.
صدرت منه ضحكة بسيطة ثم قال بمكر
أومال احنا هنتجوز ازاي!.. هنتجوز عن بعد مثلا!
احمرت وجنتيها خجلا و هي تنظر له بجحوظ ثم تهربت بعينيها من النظر بعينيه فازدادت ضحكاته أكثر من ذي قبل ثم رأف بحالة التوتر التي أصابتها بالتزامن مع خجلها الزائد و أخذها من يدها و سارا سويا باتجاه غرفته و قد سارت معه بلا اعتراض.
أنا هدخل الحمام أخد شاور و اتوضى عشان أصلي وانتي خودي راحتك.. اعتبري نفسك لوحدك في القوضة.
أومأت بصمت و بمجرد أن اختفى عن ناظريها خلعت اسدالها لتظهر تلك البيچامة البيضاء من الستان التي أظهرت ذراعيها ثم تمددت على أقصى طرف الفراش و تدثرت جيدا بالغطاء الخفيف بعدما ضبطت درجة حرارة المكيف على البارد و دون أن تشعر هوت في سبات عميق... فأحداث اليوم لم تكن بالقليلة ما جعلها تهرب من تلك البداية الجديدة بالنوم.
بعد عدة دقائق خرج أدهم من المرحاض مرتديا ملابس النوم فتفاجئ بها نائمة بأقصى الفراش و كأنها على حافة السقوط ليضحك بسخرية و هو يهز رأسه بيأس ثم قام بفرد سجادة الصلاة ليؤدي صلاته و بعدما انتهى تمدد بجوارها ثم أخذ يتأملها قليلا و صديقه آسر و فقدانه لحبيبته مازال يحتل تفكيره واتته مشاعر غريبة لم يختبرها من قبل حين تخيل أنه يمكن أن يفقدها شعر بأن قلبه يكاد ينخلع من موضعه ان حدث معه ذلك... فأغمض عينيه يستعيذ بالله من تلك الوساوس.. و دعى ربه بألا يذيقه مرارة الفقد... فمذاقها أمر من الحنظل.
مسد على شعرها الذي لم يعشق منها سواه حتى الآن ثم انحنى ليزيح تلك الغرة الكثيفة التي غطت جبينها حتى حاجبيها ليظهر له ذلك الچرح الصغير ثم لثم جبينها ببطئ وأخذ يتمتم بهمس و هو مازال يمسد على شعرها
ربنا يخليكي ليا يا ندى..
ترك شعرها ثم عاد لينام بالطرف الآخر تاركا بينهما مسافة مناسبة احتراما لرغبتها... أو يمكننا القول رأفة بخجلها... فهو يدرك جيدا مدى حيائها و أنها لم تعتاده بعد.
انقضى يوما حافلا بالأحداث المصيرية ليأتي يوما جديدا ينتظر أبطالنا ربما تنقلب به الموازين...
في محافظة سوهاج....
استيقظ معتصم بعد ليلة قضاها في نوم متقطع لا يشبع ولا يسمن من جوع فقد سيطرت ريم على تفكيره و احتلت كيانه بالكامل... رغما عنه كان يتذكر أحداث تلك الليلة حين كانت بين ذراعيه و حين نزل على ركبتيه أمامها.. شخصيته الصارمة التي تحولت إلى شخص آخر لا يعرفه.. لا يدري متى ظهر ذلك الجانب الحنون منه.. و لما ظهر لها هي بالذات!.. لم تكن الأولى بحياته... فقد مررن به الكثيرات و من هن أشد منها جمالا... فحتى زوجته رغم جمالها الفتاك و قوامها المثير لم تحرك فيه ما حركته تلك القطة المتمردة...ماذا فعلت به و من أين ألقاها عليه القدر...
كنتي مستخبيالي فين يا ريم.... أنا كنت عايش و مزاجي حلو ولا كان في دماغي حب و لا شوق ...جيتي قلبتيلي كياني كله.... يا ريتني ما شوفتك ولا عرفتك.
و كانت تلك آخر فكرة واتته ثم بعدها غفى حتى أشرقت الشمس و تسلل نورها عبر ستائر غرفته لتداعب جفنيه اللذان استجابا سريعا لها و استيقظ و كأنه لم ينم قط.
بعد حوالي نصف ساعة كان معتصم يجلس بجوار أمه بأريكتها المفضلة يقص عليها ما حدث ليلا أثناء نومها و بالطبع أخبرها بوجود ريم و مارتينا بالمضيفة..
أباااه يا ولدي... كيف جلبهم طاوعهم يسرجوا ضيوف الكبير...كانهم مفكرين راح ينفدوا بعملتهم الواعرة..
ربت معتصم على فخذها و هو يقول
باينهم أغراب يامايا...ماهو محدش من البلد يتچرأ يعمل العملة دي...بس أني هعرف كيف أتوبهم.
قاطع مجلسهم الخفير سمعان مقبلا عليهما و هو يلهث و بيده حقيبة سوداء ثم قال بنبرة مفتخرة
ربطهم في مزرعة المواشي مع البهايم كيف ما أمرت يا كبير.
حانت من معتصم ابتسامة واثقة ثم هتف بقوة
و فين اللي سرجوه!
ركض سمعان اليه واضعا تلك الحقيبة على الطاولة الرخامية أمام كبيره
دياتي يا كبير... الدهبات و الفلوسات و حتى التلفونات... كله رچعته يا كبير.
أومأ معتصم بفخر
عفارم عليك يا سمعان... انت اكده صوح دراعي اليمين... عدي ع المزرعة انت و الرچالة اللي كانو امعاك و كل واحد فيكم يختارلو نعچة على كيفه.. و خود الفلوسات دي فرجوها علي بعضيكم..
قالها و هو يستخرج رزمة من المال من جيب جلبابه فأخذها سمعان و هو يقبل يد معتصم فسحبها سريعا و هو يقول
استغفر الله.. دي حجك انت و الرچالة اللي تعبت.. يلا روح و متنساش تسيب
متابعة القراءة