رواية ظنها دمية بين أصابعه (الفصل السادس والأربعون إلى التاسع والأربعون) بقلم الكاتبة سهام صادق
المحتويات
صالح جفنيه بقوة فهو لم يعد يحتمل ذلك الثقل الذي يجثم على روحه.
_ اخدت ادويتك فين منصور مجاش ليه.. مش ده ميعاده!
إلتقط نائل أنفاسه ببطء ونظر إليها قائلا بلسان ثقيل.
_ منصور تعبان وأنا قولتله خدلك يومين اجازة.
امتقعت ملامح زينب وتنهدت بقوة.
_ وطبعا اليومين الأجازة اللي هياخدهم منصور هتفضل لوحدك ومش هتاخد أدويتك وكنت هتضحك عليا لما اكلمك وتقولي إنك كويس.
_ هو حاتم مبقاش يجي يبات معاك
أسرع نائل بالدفاع عن حفيده.
_ لأ يا زوزو حاتم بيجي يبات معايا لكن امبارح سافر الغردقة فسحة مع صحابه.
انفلتت شهقة من بين شفتي زينب.
_ يعني لا منصور ولا حاتم.
تبدلت ملامح صالح وداعب قلبه شعور جديد عليه.
_ خلاص بقى يا زوزو جدك برضو لسا بصحته مش محتاج لحد.
_ أوعى تسيبني وتمشي يا جدو.
....
ارتسمت الصدمة على ملامح ليلى وهي ترى بقعة حمراء تزين أسفل عنقها. حدقت بحيره فيما تراه لتتسع حدقتيها فجأة عندما فهمت سبب ذلك الإحمرار.
تسارعت دقات قلبها وأغمضت عينيها بقوة حتى تستطيع إلتقاط أنفاسها.
_ يا لولو على فكرة أنا مش صغيره ولعلمك بقى العلامة دي اسمها
_ يعني إيه
إلتمعت عيني شهد وابتسمت ثم وضعت يدها أسفل ذقنها تتساءل.
_ معقول يا لولو أنت مش عارفة يعني إيه!
حاولت ليلى السيطرة على توترها وتحاشت النظر إليها.
_ دي حساسية من الفراولة.
وبتوتر أردفت ليلى وهي تخشى أن لا تنطلي عليها كذبتها.
هزت شهد رأسها بقليل من الإقتناع وعادت تقترب منها.
_ طيب قوليلي يا لولو هو بيحصل إيه بينك وبين أبيه لما بتكونوا لوحدكم.
توقفت أيدي ليلى عن غلق أزرار قميصها وتساءلت وهي تزدرد لعابها.
_ بيحصل إيه بينا يعني إيه يا شهد.
زفرت شهد أنفاسها بتأفف وضجر وجلست على فراشها تتلاعب بخصلات شعرها.
رفرفرت ليلى بأهدابها وتحركت إليها وهي لا تستوعب ما تخبرها به شهد.
_ انتوا بتحكوا في حاجات زيه دي إزاي وكمان مش
لميس دي انتوا الاتنين كنتوا بتكرهوا بعض.
ابتسمت شهد ورفعت رأسها بفخر.
_ لأ ما أحنا بقينا خلاص صحاب ما أنا قولتلك يا ليلى لما هي تعبت أنا وقفت جنبها وهي عملت كده لما حصلت ليا الحاډثة.
_ على فكرة أنا دلوقتي مش صغيره أنا خلاص خلصت ثانوية عامة.
كادت أن تتحدث ليلى لكن شهد أكملت ما بدأته بفضول.
_ ليلى هو أنت وأبيه عزيز...
شعرت شهد بالخجل ولم تواصل كلامها لكنها أسرعت بمط شفتيها للأمام وأغلقت عينيها وابتسمت.
اشټعل وجه ليلى إحمرارا وقد ألجمها كلام شهد المتواصل في أمور كتلك.
_ شهد أنت بتقولي إيه.
هذه المرة زفرت أنفاسها بقوة ورمقتها بنظرة يأسه.
_ لأ يا ليلى مش معقول مش فاهمه أي كلام بقوله.
أرادت ليلى أن تنهي ذلك النقاش وتعاتبها على التحدث في تلك الأمور مع زميلاتها لكن شهد قاطعتها قائلة بعدما أطلقت تنهيدة طويلة.
_ أنا في الأول مكنتش بصدق لميس لما بتوصف لينا علاقتها مع حبيبها بس امبارح لميس رشحت ليا فيلم رومانسي.
تلك اللمعة التي رأتها ليلى في عينين شهد جعلت القلق والخۏف يتسلل إلى قلبها.
_ شهد هو الفيلم الرومانسي ده كان بيحكي علي إيه
اختفت تلك اللمعة سريعا واحتل التوتر عينين شهد وابتلعت لعابها وهي تفرك يديها بتوتر.
_ لو قولتلك اسم الفيلم يا ليلى هيبقى سر
أسرعت بتحريك رأسها إليها لتنظر لها شهد بتردد وكادت أن تتحدث.
_ شهد ليلى أنتوا لسا في الأوضة يا بنات.. من أولها بدأنا كسل.
انتفضت شهد من على الفراش وغادرت الغرفة لتتنهد ليلى بقوة فعلى ما يبدو أن ابنة عمها بدأت تتأثر بحديث صديقاتها وتنجرف معهم.
اتجهت ليلى نحو المرآة بعدما إلتقطت حجابها لترتديه رفعت ذراعيها حتى تتمكن من لملمت خصلات شعرها بإحكام لكن يدها تحركت دون إرادة منها نحو تلك العلامة التي لولا إنتباه شهد عليها ما انتبهت.
أغلقت عينيها وانفلتت من بين شفتيها تنهيدة مع رجفة جسدها بنفس الشعور الذي يرتجف به كلما كانت قريبة منه ثم تخضبت وجنتاها ف أمس تقاربهم كان مختلفا.
خفق قلبها بقوة وهي تتذكر ما حدث بينهم ليلة أمس.
الخجل اكتسح وجهها عندما أتتها صورتها وهي بين ذراعيه هائمة مستمتعة.
_ ليلى أنت لسا مخلصتيش لف الطرحة.
قالتها عايدة بعدما ولجت الغرفة لتنتفض ليلى ذعرا وأسرعت بغلق زرار قبة القميص وبيدين مرتعشتين رفعت حجابها لتضعه على رأسها.
_ أنا خلاص بلف الطرحة خمس دقايق وأكون جاهزه.
قالتها بصوت متعلثم فابتسمت عايدة واستدارت بجسدها لتغادر الغرفة.
_ بسرعة يا حبيبتي اليوم كله مش معانا ومحتاجين نروح نرتب الشقة كويس.
استطاعت ليلى أخيرا إلتقاط أنفاسها بعدما نفضت ما حدث أمس بينها وبين عزيز عن رأسها. خرجت من مسكن عمها لتجد عزيز يقف مع عائلة عمها ويمزح معهم وشهد تناكفهم كعادتها.
اتسعت حدقتاها پخوف عندما تعلقت عينين شهد بها.
_ أهي لولو جات.
تحركت أعين عزيز عليها لترتبك من نظرته التي شملت جسدها بأكمله بنظرة أرجفتها فابتسم غامزا لها.
_ أبيه عزيز.
صوت شهد جعل ليلى تنظر نحو عزيز بفزع إلتقطته عيناه وقد اندهش من فزعها. أسرعت ليلى نحوهم قائلة بصوت جاهدت في إخراجه بثبات.
_ أنا نسيت اعزم نيرة و كارولين هروح أعزمهم عشان يكونوا موجودين معانا.
وأردفت وهي تلتقط ذراع شهد وتجرها ورائها.
_ تعالي معايا يا شهد.
حاولت شهد تحرير ذراعها من قبضة يدها وهتفت بتذمر.
_ استنى يا ليلى هقول لأبيه عزيز حاجة.
_ امشي يا شهد معايا.
فاجأتهم ليلى ب فعلتها وسرعان ما غادرت الدهشة ملامحهم وضحكوا عندما قال العم سعيد قاصدا شهد بحديثه.
_ لولا ليلى اخدتها معاها مكنتش هتخلص من طلباتها يا ابني.
....
ابتسم نائل بعدما انتهى من شرب الماء لتلقط زينب منه الكوب الفارغ مبتسمة.
_ هقوم احضر ليك الفطار.
نهضت زينب من جواره فالتف نائل برأسه حتى يخبرها برغبته في تناول الفول اليوم الذي يحرم منه بسبب تعليمات الطبيب الصارمة لكن الكلام توقف على لسانه وهو يرى صالح مازال واقفا مكانه.
_ يا خبر يا بني لسا واقف مكانك.
أشار إليه نائل بالإقتراب منه وأردف معتذرا.
_ سامحني على سهوتي جدك راجل عجوز والانتباه عنده بقى ضعيف..
أسرع صالح إليه وقبل رأسه قائلا بأدب.
_ أنت لسا شباب يا سيادة اللوا.
ضحك نائل على مجاملته الكاذبة التي يسمعها من جميع أحفاده.
_ هتقبل منك المجاملة دي بس بشرط.
ابتسم صالح بقليل من الإرتياح وتساءل
_ وأنا موافق على أي حاجة منك يا سيادة اللوا.
اتسعت إبتسامة نائل ونظر له ثم مد يده ليربت على فخذه بلطف.
_ تقعد تفطر معايا.
تنهدت زينب بعدما إلتقطت أذنيها حديثهم ثم استكملت خطواتها نحو المطبخ.
غادر ذلك الشعور السئ الذي كان يحتل قلب نائل وهو يرى زينب وصالح يجلسون معه على الطاولة الطعام ويتناولون فطورهم.
_ متعرفوش يا ولاد أنا مبسوط أد إيه وأنا شايفكم قصادي.
وتعلقت عيناه ب زينب وابتسم.
_ أنت واخد قطعه من قلبي يا صالح.
وقفت لقمة من الطعام في حلقة ف ابتلعها صالح بصعوبة واصل نائل كلامه بتحذير لين.
_ اوعي في يوم تزعلها لانك لو زعلتها هخدها منك وأنا أصلا بقيت اتلكك.
دمعت عينين زينب ونهضت من المقعد لتحتضنه.
_ ربنا يخليك ليا يا جدو.
أطرق صالح رأسه نحو طبق الطعام فشعور الخزي يتملكه... لقد أعطاه هذا الرجل حفيدته الغالية التي يشبعها دلال وهو ماذا فعل لها.
_ كفايه عياط بقى يا زوزو أنا مش عارف في إيه النهاردة خليني اكمل فطاري بنفس.
ثم واصل الجد كلامه وكأنه طفل صغير يتذمر على والدته.
_ ما تحطيلي شوية فول كمان في طبقي يا زوزو بلاش بخل.
ابتسمت وهي ترفع حاجبيها وقد غادر العبوس ملامحها.
_ ولا هتاخد حتى حباية فول كفاية إني سمعت كلامك والدكتور محذر من أكله.
_ عشان خاطري يا زوزو.
دلال الجد ومحاولتها في إرضائه وملاطفته حتى يتخلى عن إلحاحه في مخالفة تعليمات طبيبه كل هذا جعل صالح يجلس مشدودا.
_ معلش يا صالح واخدها منك النهاردة وبدلع عليها..
انتبه صالح على كلام الجد وسحب عيناه بعيدا عنهم بحرج متمتما بصوت خفيض.
_ أنا قدام حضرتك لازم اكون خسران يا سيادة اللوا.
رمقته زينب بنظرة سريعة ليردف هذه المرة بثبات وهو ينظر إليها.
_ وبرحب أكيد بخسارتي قدام حضرتك عشان عارف اد إيه أنت غالي عندها...
توقف عن الكلام ونهض عن طاولة الطعام بعدما مسح شفتيه بمحرمة واقترب من مقعدها ثم انحنى بجسده نحوها يلثم خدها تحت نظرت الجد.
_ تسلم ايدك يا حبيبتي أي حاجة من ايدك بيكون ليها طعم وروح.
ابتهجت ملامح نائل واتسعت ابتسامته.
_ استأذن أنا عشان اروح اغير هدومى وبعتذر من حضرتك يا سيادة اللوا على منظري الغير مهندم.
ابتسم نائل وهز رأسه إليه متفهما سبب هيئته الغير مهندمة.
_ أنا اللي بعتذر على قلقي ليكم اكيد راجع من شغلك متأخر وملحقتش تنام.. قومي يا زوزو روحي مع جوزك.
كادت أن تتحدث زينب فأسرع صالح قائلا بعدما وضع يده برفق على كتفها.
_ خليكي يا حبيبتي.
وواصل كلامه بهدوء.
_ بستأذن من حضرتك أجي اطمن عليك بالليل.
رد نائل على الفور بترحيب.
_ ده بيتك يا بني تيجي في أي وقت.
امتقعت ملامح زينب من أفعاله وحاولت أن تبعد كتفها عن موضع يده لكن نظرات جدها إليهم جعلتها تتمالك نفسها.
_ قومي يا زينب مع جوزك وصليه يا حبيبتي.
تحركت زينب معه بوجه عاد إليه عبوسه لينظر إليها متأملا أن تحسم قرارها اليوم وتوافق على عرضه.
_ أنا هاجي اطمن على السيادة اللوا واتمنى تكوني فكرتي كويس في عرضي يا زينب.
عندما رأي الرفض في عينيها أسرع بوضع يده على شفتيها قائلا بصوت رخيم.
_ فكري كويس أرجوك صدقيني المرادي مش هتخرجي خسرانه.
...
اندهش الخادم من دخول صالح المنزل بتلك الحالة المزرية ليصدح صوت صالح عاليا.
_ فين شاكر باشا.
حدق به الخادم بقلق وكاد أن يخبره بأن الطبيب بالداخل ليخرج صفوان من غرفة والده ثم أتبعه الطبيب.
نظرة والده له جعلته يتحكم في غضبه ويسحب نفسا عميقا.
_ شرفت يا دكتور إبراهيم.
قالها صفوان للطبيب وتحرك معه إلى الخارج ليزفر صالح أنفاسه حانقا... فهذا ما يحدث في كل مرة ينشب بينه بين جده خلاف... جده يتظاهر بالمړض وهو قد ضجر من أفعاله.
لم ينتظر صالح والده واندفع نحو غرفة جده حاسما قراره.
انحشر الكلام في حلقه وهو يرى الممرضة تقف جوار فراش جده.
_ جدك تعبان يا صالح.
قالها صفوان وهو يلتقط ذراعه برفق ليغادر الغرفة.
_ مش وقت كلام وعتاب...
بنظرة ساخرة رمقه صالح وأزاح
متابعة القراءة