رواية لاجئه في اسطنبول بقلم ياسمين عزيز
المحتويات
في إحدى أرياف مدينه حلب السوريه و تحديدا
في غرفه مظلمه كئيبه تجلس فتاه ذات جمال خيالي كأنها اميره هاربه من إحدى القصص الخياليه تحتضن ركبتيها كعادتها منذ اكثر من سته أشهر عينيها الخضراوان الجميلتان انطفأ بريقهما لتحل محله دموع الحزن و القهر على عائلتها التي فقدتها بسبب الحړب لم يتبقى لها سوى اخاها الصغير اوس
تتذكر ذلك اليوم المشؤوم جيدا عندما أرسلتها امها لقضاء بعض الحاجيات من الدكان القريب رفقه أخيها الصغير الذي لم يتعدى عمره الخمس سنوات
صوت طائرات قادمه شق سكون الحي الهادئ الذي كانت تسكنه بدون تردد أمسكت يد أخيها الصغير و هرولت عائده الى دكان العم فؤاد الرجل العجوز
تتذكر جيدا كيف تدمرت بعض البيوت و تحول المكان إلى خړاب الصړاخ و البكاء عما المكان
مازلت صور منزلها المدمر في ذاكرتها لم تستطع تحمل خير وفاه والديها حتى اغمي عليها و لم تستيقظ الا بعد اسبوع كامل
كم كانت تتمنى ان تستيقظ و تجد نفسها في منزلها وسط عائلتها كم اشتاقت إلى الركض في حقول القمح المجاوره مع أخيها الصغير كم افتقدت دلال والديها و حضنهما الدافئ
كم هي ممتنه لجارتها الارمله ام إحسان لأنها استقبلتها في بيتها كل هذه المده و عاملتها بكل حب و موده و لكن الى متى ستستمر حياتها هكذا
التاني
خيمه بارده تتشاركها مع امرأه وولدين صغيره ضحيه اخرى فقدت زوجها و بقيه أفراد عائلتها و جاءت إلى هذا الملجأ الذي يقع على الاراضي التركيه
فكرت قليلا هل هذا ما سيقيني برد الشتاء القارس انا و اخي كيف سنعيش هنا
لم تكن تملك الكثير من المال بعض الورقات النقديه اعطتها لها الجاره ام إحسان كم ترجتها ان تبقى معها خليكي يا بنتي و الله خاېفه عليكي انت صغيره و اخوك كمان صغير كيف راح اتدبرو حالكن لك مفكره انها سهله عيشه المخيمات لك هون احسنلك
الله يحفظك يا بنتي و سامحيني انا بعرف انك مانك لاقيه راحتك و بنتي و جوزها هون
صوت السيده التي تتشاركها الغرفه و هي تناديها أخرجها من شرودها اختي لين وينه اخوكي الدنيا عتمت و الجو برد كتير روحي جيبيه و انا راح شوف شو في عشاء
باحكام على وجهها و خرجت من الخيمه بروح خاويه تبحث عن أخيها الصغير الذي كان يلعب مع بعض الأطفال أمام الخيام المنتشره هنا و هناك جذبته سريعا من يديه و دلفت الخيمه مره اخرى وجدتها مضائه بقنديل كبير معلق في السقف
اختي كيف بقدر احصل على غطاء تاني و الله امبارح جمدنا انا و اوس
المسؤولين هون كل فتره بيوزعوا غطاء و فراشي على الخيام بس لما بتروحي لعندهم بيظلوا يماطلوا راح يقولولك قدمي طلب و بعدين بتبقى تستنى و ماراح يعطوكي شي الا اذا هن بهدهم لان في اوقات معينه بيوزعوا فيها الاكل و الا غطيه و الفراش اساليني انا صارلي 8 شهورعلقانه هون
طيب شو الحل راح ڼموت هيك
في خيمه كبيره موجوده اطرف المخيم لما تشوفيها راح تعرفيها روحي و قابلي المسؤول هنيك بلكي بيحن قلبه و يعطيكي شي تدبري حالك فيه
طيب انا من بكره الصبح راح روح لعنده
طيب حبيبتي لاتنسى تحطي الغطاء على راسك و الله خاېفه عليك و انت ماشاءالله كتير حلوه و العالم خطړ هو الله يسترنا يا رب
حاضر يا اختي ماراح انسى
طيب تعي كليلك لقمه و الله انا من يوم ما اجيتي ماشفتك عم تاكلي
كثر خير و الله انا لولاكي ماكنت راح اعرف اتصرف
تمددت على الفراش البالي تحتضن أخيها الصغير بقوه تفكر ماذا ستفعل كيف ستعيش هنا خيمه بلاستيكه لا تحميهم من برد الشتاء و امطاره و ثلوجه البارحه استيقظت على انين احد الطفلين يعاني الحمى السيده وداد التي تتشاركها الخيمه حكت لها كثيرا عن عده أطفال ماتوا هنا بعده أمراض كالحمى بسبب بروده الطقس
اغمضت عينيها بتعب تتمنى في غد افضل
في الصباح ذهبت إلى خيمه احد المسؤلين على المخيم وبعد طول انتظار لم تعد سوى بوعود و بضعه كلمات
يتبع
34
ثلاثه أشهر قضتهم لين داخل المخيم حاولت بكل الطرق ان تتاقلم رغمه صعوبه الحياه
تعلمت بعض دروس التركيه من خلال البرامج التي وضعها مسؤولوا المخيم كمحاوله لادماج اللاجئين مع محيطهم الجديد
لم تصدق نفسها و هي تمسك ورقه التصريح لدخول الاراضي التركيه رغم معارضه السيده وداد لها إلا انها لم تثني من عزمها على تحقيق حياه جديده
فهذه الخيم البلاستيكية ماهي إلا مرحله و يجب تجاوزها فهي لن تستطيع إكمال كل حياتها هنا
عزمت بكل قوتها على الرحيل فهي قد تجاوزت مصائب من قبل رغم صغر سنها فقد فقدت والديها و بيتها و أصبحت مشرده لن يحصل لها شي أسوأ من مرت به هذا ما ظنته لين و هي تحزم حقيبه ظهرها الصغيره التي تحتوي ملابسها و ملابس شقيقها
احتضنتها السيده وداد بكل قوه و الدموع لم تفارق عينيها لقد أحبت لين كثيرا رغم قله حديثها مقارنه بثرثرتها هي اوصتها على نفسها و على أخيها و دعت لاجلها كثيرا
بعد ساعات قليله كانت تتفحص بعينيها الجميلتين المباني الشاهقه في المدينه و هي تشد على يد اوس بقوه خوفا من فقدانه في هذا الزحام الشديد
جلست على كرسي خشبي في حديقه عموميه لترتاح لم تكن تعرف أين ستذهب او ماذا ستفعل نظرت الى الورقات النقديه القليله بقله حيله قبل ان تتجه الى إحدى العربات المتجوله لتشتري بعض الشطائر و الماء لها و لاخيها
شدت الوشاح على رأسها بقوه و هي تنظر إلى عبائتها السوداء الفضفاضه تتفقدها متوجسه من العيون الكثيره التي كانت تنظر إليها أينما حلت
اختي انا تعبت من المشي صارنا ساعات و الدنيا عتمت وين راح ننام سالها اوس ببراءه
نظرت الى عيني أخيها الخضراء الشبيهه بعينيها الفاتنه
ماذنب هذا الصغير في قرارات اخته المتهوره كيف لفتاه صغيره في الثامنه عشر من عمرها ان تدخل بلادا غريبه بمفردها لو انها بقيت مع جارتها ام إحسان لكن هي لم تغادر الا عندما جاءت إحسان و زوجها و صغارها ليسكنوا مع امها بعد أن تدمر منزلهم
لن تنفعها الامنيات او الندم يجب أن تتصرف أين ستنام هي و شقيقها الليله سيحل الظلام و سيمتلئ المكان باللصوص و المجرمين
بلغه
تركيه ركيكه استطاعت ان تقنع إمام المسجد الذي وجدته صدفه ان يجعلها تنام هذه الليله في الجامع رافقها إلى الجزء المخصص للسيدات الذي كان فارغا اخذت اوس إلى الحمام ثم غيرت له ملابسه ثم عادت إلى الركن الذي فرشت فيه غطاء رقيقا نظرت الى اوس الذي غط في نوم عميق بينما هي ظلت ليلتها تفكر و تدعوا الله فماذا تستطيع فتاه وحيده لاحول و لاقوه لها غير الدعاء
في مكان آخر ليس ببعيد في مكتب فاخر بالمدينه يجلس شاب في الثلاثين من عمره يرتدي حله بيضاء مصممه خصيصا له احتضنت جسده الرياضي الشبيه بعارضي الازياء بطوله المهيب و بنيته القويه شعره مصفف بعنايه لحيه ناعمه و شاربين خفيفين يزينان وجهه الوسيم عينين سوداواتين و حاجبين عريضين
انه جان يلدريم ابن احد أغنى و أشهر العائلات في تركيا لطالما تصدرت صوره العناوين الأولى في مجلات الاقتصاد و الموضه و الفضائح بسبب كثره علاقاته النسائيه 1
رجل وسيم و ثري مثله يغير نساءه كما يغير قمصانه لم تستطع اي امرأه ان تغير نظرته فهو يعتبرهن وسائل للتسليه و المتعة
ارتخي بجسده الضخم على الاريكه الجلديه العريضه اغمض عينيه بتعب فمنذ ساعتين انتهى من تسليم شحنه ضخمه من الاسلحه
طرقات خفيفه قاطعت خلوته ليدخل احد رجاله
الذي كلفهم بأحد الأعمال
صوته الرجولي الحاد هدوءه المرعب كفيل بأن يبث الړعب في اعتى الرجال
أين هي
سيدي مازالت في المسجد لم تخرج
خرج الرجل مرتعدا حامدا الله على نجاته
عاد بذاكرته صباحا عندما كان مارا بالشارع الرئيسي بسيارته الفاخره التي تتوسط اسطولا من سيارات الحراسه بطرف عينيه لمح جسدا هزيلا ملتف بعباءه سوداء يمشي على الرصيف دقق النظر فعرف انها فتاه امر السائق بابطاء السياره
أخذه فضوله لملاحقتها رآها تجلس على كرسي خشبي في إحدى الحدائق العامه تجمدت الډماء في عروقه عندما لمح عينيها الخضراء الدامعه كانتا شبيهتين بغابه استوائيه ماطره اي جمال تمتلكه هذه الفتاه تحت وشاحها الاسود و عبائتها الفضفاضه
امر احد رجاله بمراقبتها ثم انطلق لاتمام اعماله
عوده إلى الحاضر
ح
نسمات الهواء البارده التي لفحت وجهها و هي تطل من الباب الجانبي الصغير للمسجد فالبرغم من دخول فصل الربيع الا ان الطقس مازال يحتفظ ببعض البروده خاصه في وقت الفجر
نظرت بتوجس إلى الشارع الفارغ من المترجلين
السيارات تمر ذهابا و ايابا دون توقف سارعت بخطواتها و هي تلاحظ توقف سياره سوداء اللون بالقرب منها
صوت انثوي يناديها باسمها اجبرها على التوقف
التفتت لتجد امرأه جميله في بدايه الاربعينات ترتدي ملابس محتشمه عكس النساء الذين راتهم بالأمس عندما كانت تتسكع في الشوارع فقد بدون متحررات و هن يرتدين ملابس فاضحه تبرز مفاتنهن
ابتسمت المراه قبل أن تقول مرحبا انا اسمي اصلي هل انت لين
هزت لين راسها بايجاب قبل أن تقول بلغه تركيه متكسره نعم انا لين ماذا انت تريدين
ضحكت اصلي ثم اردفت لا تخافي انا قريبه أمام هذا المسجد انه رجل طيب لقد حكي لي عنك و قال لي بانك لا تمتلكين
متابعة القراءة